واعِلمْ بِذاك أحبّةً ... بخلَ الزمانُ بهم وضنّا .
لو كان يُشرَى قربهم ... بالمال والأرواح جدُنْا .
متجرِّعٌ كأسَ الفرا ... ق يبيت للأشجان رَهْنا .
صبٌّ قضى وَجْداً ولم ... يُقضى له ما قد تمنّى .
ومنه من المنسرح : .
كم من دمٍ حلّلتْ وما ندِمتْ ... تفعل ما تشتهي فلا عُدِمت .
لو أمكن الشمسَ عند رؤيتها ... لَئْمُ مواطي أقدامها لثمتْ .
ومنه أيضاً من الوافر : .
سرى مَسرى الصَبا فعجبتُ منه ... من الهجْران كيف صبا إليّا .
وكيف ألمّ بي من غير وعدٍ ... وفارقني ولم يعطف عليّا .
وأنشدني جمال الدين محمد بن نباتة شاعره قال : أنشدني معز الدين محمود بن حماد الحموي كاتب السر بحماة لمخدومه السلطان الملك المؤيد ونحن بين يديه وهو أحسن ما سمعت في معناه من الكامل : .
أحسِنْ به طِرفاً أفوتُ به القضا ... إنْ رُمْتهُ في مَطلب أو مَهْربِ .
مثلَ الغزالة ما بدتْ في مشرقٍ ... إلاّ بدت أنوارُها في المغربِ .
قال : وأنشدني له هذا الموشح أيضاً : .
أوقعني العُمْرُ في لَعَلَّ وهلْ ... يا ويح من قد مضى بهَل ولعَل .
والشيبُ وافٍ وعنده نزلا ... وفّر منه الشباب وارتحلا .
ما أوقح الشيبَ الآتي ... إذ حلّ لا عن مرضاتي .
قد أضعفتْني السِّتون لازمني ... وخانني نقصُ قوّة الزمن .
لكنْ هوى القلب ليس ينتقصُ ... وفيه مع ذا من حرصه غُصصُ .
يهوى جميع اللّذاتِ ... كما له من عاداتِ .
يا عاذلي لا تُطِلْ ملامك لي ... فإنّ سمعي ناءٍ عن العذلِ .
وليس يُجدي الملام والفَنَدُ ... في مَن صبابات عشقه عَدَدُ .
دعْني أنا في صبواتي ... أنت البرِي من زلاّتي .
كم سرّني الدهر غير مقتصرِ ... بالكأس والغانيات والوترِ .
يمرح في طيب عيشنا الرَّغدِ ... طرفي وروحي وسائر الجسد .
ومن صفَتْ لي خطراتي ... وطاوعتْني أوقاتي .
مضى رسولي إلى معذِّبتي ... وعاد في بهجةٍ مجدَّدَةِ .
وقال : قالت : تعال في عجلِ ... لمنزلي قبل أن يجي رجُلي .
واصعدْ وجُزْ من طاقاتي ... ولا تخفْ من جاراتي .
قال : ومن الغريب أن السلطان كان يقول : ما أظن أني أستكمل من العمر ستين سنة فما في أهلي يعني بيت تقي الدين من استكملها وفي أوائل الستين من عمره قال هذا الموشح ومات في بقية السنة C تعالى . قلت : وهذه الموشحة جيدة في بابها منيعة على طلابها وقد عارض بوزنها موشحة لابن سناء الملك رحمة الله تعالى أولها : .
عسى ويا قلّما تفيد عسى ... أرى لنفسي من الهوى نَفَسا .
مُذبان عنّي مَن قد كلِفتُ به ... قلبيَ قد لجّ في تقلّبهِ .
وبي أذى شوقٍ عاتي ... ومدمعي يومٌ شاتِ .
ولا أتركُ اللهْوَ والهوى أبدا ... وإن أطلتَ الغرام والفَنَدا .
إن شئتَ فاعذلْ فلستُ أستمع ... أنا الذي في الغرام أتَّبَعُ .
وتحتذى صباباتي ... وبِدَعي وعاداتي .
وبي مَلَكٌ في الجمال لا بَشرُ ... يُظْلَم إن قيل : إنّه قمرُ .
يحسُن فيه الولوع والولهُ ... وعِزُّ قلبي في أن أَذِلَّ لهُ .
خدّي حِذا لمن ياتي ... ويرتعي حُشاشاتي .
لست أذمُّ الزمان معتديا ... كم قد قطعتُ الزمان ملتهيا .
وظَلْتُ في نعمةٍ وفي نعم ... يلتذّ سمعي وناظري وفمي .
ولا قَذَى في كاساتي ... ومَرتعي في الجنّاتِ .
وغادةٍ دينُها مخالفتي ... ولا ترى في الهوى مُحالفتي .
وتستبيني ولستُ أمنعها ... فقلتُ قولاً عساه يخدعها