إسماعيل بن محمود بن زنكي الملك الصالح نور الدين ابن الشهيد العادل نور الدين سر به أبوه وختنه سنة تسع وستين وزينوا دمشق يوم عيد الفطر وكان يوماً مشهوداً وتوفي والده نور الدين بعد الختان بأيام وحلف أمراء دمشق للصالح ابنه هذا وحضر السلطان صلاح الدين من مصر ليكون مدبر دولة هذا الصبي فوقعت الفتنة في حلب بين السنة والرافضة وتوجه الصالح إلى حلب ووصل صلاح الدين إلى دمشق وملك حمص ونازل حلب فجاءت النجدة للصالح من ابن عمه صاحب الموصل فرد صلاح الدين إلى حماة والتقى صلاح الدين بعز الدين مسعود فانكسر مسعود فرد صلاح الدين إلى حلب وأعطاه المعرة وكفر طاب وبارين وأخذ صلاح الدين منبج وعزاز ثم نازل حلب فبالغوا في جهاده فلما مل صالحهم وخرجت له أخت الصالح وهي طفلة فأطلق لها عزاز لما طلبتها منه وكان مدبر حلب والدة الصالح وشاذ بخت وموفق الدين خالد ابن القيسراني فمرض الصالح بالقولنج جمعتين ولما اشتد به الألم وصف له الأطباء قليل خمر فقال : لا أفعل حتى أسأل الفقهاء ! .
فسألهم فأنتوه وسأل العلاء الكاشاني فأفتاه أيضاً فلم يقبل وقال : إن كان الله قد قرب أجلي أيؤخره شرب الخمر ؟ قال : لا . قال : فو الله لا لقيت الله وقد فعلت ما حرم علي ! .
فمات ولم يشربه في رجب سنة سبع وسبعين وخمسمائة . ولما اشتد الأمر به أحضر الأمراء وحلفهم لعز الدين مسعود صاحب الموصل فقيل له : لو أوصيت إلى ابن عمك عماد الدين صاحب سنجار فإنه صعلوك ليس له غير سنجار وهو تربية أبيك وزوج أختك وهو شجاع كريم وعز الدين له من الفرات إلى همذان . فقال لهم : لم يخف عني هذا ولكن علمتم استيلاء صلاح الدين على الشام ومصر واليمن وعماد الدين لا يثبت له وعز الدين له العساكر والأموال فهو أقدر على حفظ حلب وأثبت من عماد الدين ومتى ذهبت حلب ذهب الجميع . فاستحسنوا قوله .
وكانت أيامه ثماني سنين وشهوراً . وأقام الحلبيون النوح عليه والمأتم وفرشوا الرماد في الأسواق وأقاموا على ذلك مدةً لأنه كما سمي صالح عادل منصف حسن السيرة سلك أسلوب أبيه . وكان شاذبخت الخادم والي القلعة فكتب إلى عز الدين مسعود يخبره وكان تقي الدين عمر بمنبج فسار عز الدين عجلاً وقطع الفرات فانهزم تقي الدين إلى حماة فأغلق أهلها في وجهه الأبواب من جوره وصاحوا : عز الدين أتابك يا منصور ! .
فلاطفهم وأما عز الدين فصعد إلى قلعة حلب واستولى على أموالها وذخائرها وأحسن إلى الأمراء فقالوا له : سر بنا إلى دمشق وغيرهما لنأخذها ! .
وكان صلاح الدين قد عاد إلى مصر فقال : بيننا عهود ومواثيق لا يجوز العدول عنها . وأقام بحلب مدة وعلم أنه لا طاقة له على حفظ الموصل والجزيرة وحلب وأن شوكة صلاح الدين قوية فسار إلى الرقة وراسل أخاه عماد الدين في تسليم سنجار وتعويضه عنها بحلب لقرب سنجار من الموصل وقيل : إن عماد الدين سأله ذلك وقال : إن لم تفعل أعطيت سنجار لصلاح الدين فأجابه إلى ذلك وسار عماد الدين إلى حلب ودخلها في ثالث عشر المحرم سنة ثمان وسبعين وخمسمائة . وكان صلاح الدين أولاً قد يئس من حلب لما بلغه أن عز الدين أخذها فلما بلغه خبر عماد الدين كتب إلى الخليفة يستأذنه في الاستيلاء على حلب ويقول : إن الجماعة الأتابكية يسعون في تفريق الكلمة ويستنهضون الفرنج لقتل المسلمين ويستعينون بالإسماعيلية . فأذن له في ذلك فجاء وملكها .
أبو القاسم الإسماعيلي