أقسيس السلطان الملك المسعود ابن السلطان الملك الكامل ابن العادل صاحب اليمن ومكة ملكهما تسع عشرة سنة وكان أبوه وجده قد جهزوا معه جيشاً فدخل اليمن وملكها وكان فارساً شجاعاً مهيباً ذا سطوة وزعارة وعسف وظلم لكنه قمع الخوارج باليمن وطرد الزيدية عن مكة وأمن الحاج . ولما بلغه موت عمه المعظم تجهز ليأخذ الشام وكان ثقله في خمسمائة مركب ومعه ألف خادم ومائة قنطار عنبر وعود ومائة ألف ثوب ومائة صندوق أموال وجواهر وسار من اليمن إلى مكة فدخلها وقد أصابه فالج ويبست يداه ورجلاه ولما احتضر قال : والله ما أرضى من مالي كفناً ! .
وبعث إلى فقيرٍ مغربي فقال : تصدق علي بكفن ! .
وتوفي بمكة سنة ست وعشرين وستمائة . قال ابن الجوزي : بلغني أن والده سر بموته ولما جاء موته مع خزنداره ما سأله كيف مات بل قال له : كم معك من المال ؟ وكان المسعود سيء السيرة يرتكب المعاصي ولا يهاب مكة بل يشرب ويرمي البندق وربما علا بندقه البيت المحرم . ولما أراد الحضور إلى الشام نادى في بلاد التجار : من أراد التوجه إلى الشام أو إلى الشام أو إلى مصر صحبة السلطان فليتجهز ! .
فجاء التجار من الهند بالأموال والأقمشة والجواهر فلما تكاملت المراكب بزبيد قال : اكتبوا لي بضائعكم وما معكم من الأموال لأحميها من الزكاة والمؤن فكتبوها له فصار يكتب لكل تاجر برأس ماله إلى بعض بلاد اليمن ويستولي هو على ماله ففعل بالجميع كذلك فاجتمعوا واستغاثوا وقالوا : نحن قد جئنا من بلدانٍ شتى وفينا من أهله بإسكندرية والقاهرة والشام والروم ولنا عدة سنين عن أهلنا وقد اشتقنا إليهم فخذ أموالنا وأطلقنا نروح إلى أهلنا ! .
فلم يلتفت إليهم وأخذ الجميع .
أقطاي .
الفارس أقطاي .
أقطاي بن عبد الله الأمير فارس الدين الجمدار الصالحي النجمي التركي أكبر مماليك الملك الصالح كان شجاعاً جواداً كريماً نهاباً وهاباً . ذكر شمس الدين الجزري في تاريخه أنه كان مملوك الزكي إبراهيم الجزري المعروف بالحبيلي اشتراه بدمشق ورباه وباعه بألف دينار فلما صار أميراً وأقطعوه الإسكندرية طلب من الملك الناصر إطلاق أستاذه المذكور وكان محبوساً بحمص فأطلقه وأرسله إليه فبالغ في إكرامه وخلع عليه وبعثه إلى الإسكندرية وأعطاه ألقي دينار . قال الشيخ شمس الدين : كان طائشاً عاملاً على السلطنة وانضاف إليه البحرية كالرشيدي وبيبرس البندقداري قبل أن يتسلطن وسار مرتين إلى الصعيد وعسف وقتل وتجبر وكان يركب في دستٍ يضاهي دست السلطنة ولا يلتفت على الملك المعز بل يدخل الخزائن يأخذ ما يختار ثم إنه تزوج بابنة صاحب حماة وبعثت العروس في تجمل زائد فطلب من المعز القلعة ليسكن فيها وصمم عليه فقال شجرة الدر لزوجها المعز : هذا نحس وتعاملا على قتله . قال شمس الدين الجزري : حدثني عز الدين أبيك أحد مماليك الفارس قال : طلع أستاذنا إلى القلعة على عادته ليأخذ أموالاً للبحرية فقال له المعز : ما بقي في الخزائن شيء فامض بنا إليها لنعرضها ! .
وكان قد رتب له في طريق الخزانة مملوكه قطز الذي تسلطن ومعه عشرة مماليك في مضيق فخرج عليه وقتلوه وأغلقت القلعة فركبت البحرية ومماليكه وكانوا نحو سبعمائة فارس وقصدوا القلعة فرمي رأسه إليهم فهربوا وذهب طائفة منهم إلى الشام . وكان قتله في شعبان سنة اثنتين وخمسين وستمائة .
الأتابك فارس الدين المستعرب