آقوش الأمير جمال الدين الأقرم نائب دمشق كان من البرجية تمتع بدمشق وسكن القصر الأبلق وقضى به العيش الرغد وكان خيراً لا يحب الظلم ولا يسفك الدم وأحبه أهل دمشق وكان ينادم الشيخ صدر الدين ابن الوكيل وبدر الدين ابن العطار والملك الكامل وغيرهم من المطابيع المحتشمين . ولم يزل في أرغد عيشٍ وأهناه إلى أن تحرك الملك الناصر في الكرك وخامر أمراء دمشق وراحوا إلى الكرك واحداً بعد واحد وبقي هو وحده بدمشق فلما قارب السلطان دمشق هرب هو والأمير علاء الدين ابن صبح إلى الجبل فلما قدم السلطان إلى دمشق بعث له الأمان فحضر إليه وتوجه معه إلى مصر وخرج مملكاً بصرخذ على عادة كتبغا ثم جعل نائباً لطرابلس فلما هرب قراسنقر لاقاه إلى أثناء الطريق ودخل مع قراسنقر إلى بلاد التتار وأقبل عليهما خربندا .
أخبرني القاضي شهاب الدين ابن فضل الله قال : الأفرم من مماليك المنصور القدم جركسي الأصل وكان من السلاحدارية وهو من أكابر البرجية وكان مغرى بالنشاب والعلاج والصراع واللكام والثقاف وتأمر وهو على هذا وكان محباً للصيد لا يكاد يصبر عنه وكان واسع السماط قليل العطاء ليس لبخلٍ به ولكن لضيق ذات يده كان فقيراً لا يكاد يملك شيئاً أكثر ما ملك سبعة آلاف دينار . ولما كان بمصر أيام المنصور كان يتمنى الخروج إلى الشام وتحدث مع بعض الخاصكية في هذا فعرضوا به للمنصور فقال : آقوش الأفرم يريد يروح إلى الشام لا بد له من نيابة الشام إلا ما هو في أيامي . وقال : حدثني جلال الدين محمد بن سليمان المعروف بابن البيع الموقع عن الشهاب الرومي أن الأفرم حدثه أنه قال : كان يتردد إلي وأنا بمصر فقير مغربي كان في القرافة الكبرى فقال له يوماً : يا آقوش إذا صرت نائب الشام أيش تعطيني ؟ فقال له : يا سيدي ما أنا قدر هذا . فقال له : لابد لك من هذا أيش تعطيني ؟ فقال : يا سيدي الذي تقول . فقال : تتصدق بألفي درهم ألف عند السيدة نفيسة وألف عند الشافعي ! .
فقال : يا سيدي بسم الله ! .
فضحك المغربي وقال : ما أظنك إلا تنساها وما تعود تذكرها إلا إذا جئت هارباً إلى مصر . قال : فو الله لقد جعلت كلام الفقير ممثلاً بين عيني حتى وليت النيابة فأنسانيه الله ثم ما ذكرته حتى دخلت نوبة غازان إلى مصر هارباً فبينا أنا أسير في القرافة إذ مررت بمكان الفقير فذكرت قوله فأحضرت من فوري الدراهم وتصدفت بها