أكرم الصغير هو القاضي كريم الدين الصغير ناظر الدولة بالديار المصرية كان في الجيش أولا ولما جاء الملك الناصر من الكرك وولي خاله القاضي كريم الدين الكبير نظر الخاص تولى هو نظر الدولة وكان متصرفاً نافذاً وكاتباً ضابطاً ذا مهابة وبطش وسطوة على الكتاب وغيرهم شديد الانتقام لا يحابي أحداً ولا يحاشيه ولا يدع أحداً من الكتاب ولا من غيرهم يلتمس شيئاً قل ولا جل يحب الكاتب الأمين ويزيد معلومه وينقله من شغلٍ إلى أكبر منه . وكان إذا حضر مجلس خاله كريم الدين الكبير يكون واقفاً على قدميه يرفع قدماً ويضع آخر وكل من لا يمكنه الجلوس في دسته يكون في مجلس خاله قاعداً وهو قائم فإذا كان في دسته ومجلسه وقف الناس وهابوه وعظموه . وحكى لي غير واحد أن أمراء العشرات ومن فوقهم من أمراء الطبلخانات يزدحمون في المشي قدامه ويقعون زحاماً . ويقال : إن الملك الناصر لما كان بالكرك قال : أنا أعود إلى مكان يكون فيه أكرم الصغير يضرب الجند بالدبابيس وأشفع فيهم ما يقبل شفاعتي ؟ وكان يضرب الناس وقوفاً على ألواح أكتافهم فإذا مال إلى قدام ضربهم على صدرهم وسمى هذا المقترح ولكن عفته عن مال السلطان مفرطة إلى الغاية وتشدده على من يخون خارج عن الحد . حكي لي أنه جاء إليه الأمير سيف الدين بكتمر الحاجب وهو ما هو في الوجاهة والعظمة عند السلطان فقام لتلقيه وجلس بين يديه وقال : ارسم يا خوند ! .
فقال : هذا الكاتب تشفعني فيه وتستخدمه في الجهة الفلانية ؟ فقال : السمع والطاعة كم في هذه الوظيفة معلوم ؟ فقال الكاتب : مائة وخمسون درهماً وثلاثة أرادب قمحاً . فقال للصيرفي : اصرف إلى هذا في كل شهر هذا المبلغ ويجيء إلى الشونة في كل شهر يأخذ هذه الأرادب . فقال الكاتب : ما أريد إلا هذه الوظيفة . فقال كريم الدين للأمير : حتى تعرف يا خوند أنه لص وما يريد المعلوم ما يريد إلا أن يسرق ! .
فاستحيى الأمير ومضى .
ولما أمسك كريم الدين الكبير أمسك وكاد العوام والناس يقتلونه وأثبت القضاة فيه محاضر منها ما هو بالكفر ومنها ما هو بقتل النفوس فرأى السلطان أنه مقتول لا محالة فقال : إذا قتلتم هذا من أين آخذ أنا مالي ؟ اصبروا إلى أن نأخذ المال منه ! .
ثم سلمه إلى الأمير ركن الدين بيبرس الأحمدي وبقي عنده مديدة ثم أخرج إلى صفد ناظراً فجاء إليها وضبطها وحصل أموالها ثم إنه ورد المرسوم من مصر باعتقاله فاحتيط على موجوده ثم طلب إلى مصر فأقام مديدةً وأخرج إلى دمشق عوضاُ من الصاحب شمس الدين فكرهه الأمير سيف الدين تنكز أول حضوره لما كان يبلغه عنه فلما باشر ورأى عفته وحسن مباشرته وتنفيذه أحبه ومال إليه ومال إليه ميلاً كلياً ثم طلب إلى مصر فخاف أعداؤه وعملوا عليه وبطلوا ما كان تقرر في أمره ورموه بكل داهية فأقام في بيته بطالاً . وخرج عليه ليلةً وهو خارج من الحمام راكب فرسه جماعةٌ بسيوف ليقتلوه فضرب بدبوسه جماعةُ منهم وصدمهم بفرسه وخلص منهم بكتفه . ثم عمل عليه ورسم بتجهيزه إلى أسوان وجهز في البحر وغرق في النيل سراً .
وكان غزير المروءة إذا قام مع أحد تعصباً ما يرجع عنه ولا ينثني وأطعمته فاخرة ونفسه على الطعام واسعة . وكان فقده في سنة ست وعشرين وسبعمائة أواخرها تقريباً .
الألقاب .
ابن الأكفاني الحكيم شمس الدين : محمد بن إبراهيم بن ساعد .
ابن الأكفاني : هبة الله بن أحمد .
ابن الأكفاني قاضي القضاة ببغداد : عبد الله بن محمد .
الأكفاني : إبراهيم بن محمد .
الأكمل وزير الحافظ : اسمه أحمد بن شاهنشاه .
الأكوز الأمير سيف الدين الناصري