ألجاي الأمير سيف الدين الدوادار الناصري كان دواداراً صغيراً مع أرسلان الدوادار فلما توفي أرسلان استقل ألجاي بالدوادارية وجاء منه دواداراً جيداً خبيراً عفيفاً نزهاً خيراً طويل الروح لا يغضب على أحد فيجاهره بسوء بل يكون غيظه كامناً في نفسه . وأقام مدة أمير عشرة ولم يعط الطبلخانات إلا فيما بعد قبل موته بسنتين أو ثلاث . وأما اسمه فما كتبه أحد أحسن منه وكان يحب الفضلاء ويميل إليهم ويقضي حوائجهم وينامون عنده ويبحثون عنده ويسمع كلامهم ويتعاطى معرفة علوم كثيرة وكان في خطه لا بد أن يؤنث المذكر . وكان قد اختص به قاضي القضاة تقي الدين السبكي كثيراً وينام عنده في القلعة أكثر الليالي واقتنى كتباً نفيسة كثيرة . وكان يعظم وظيفته ويتبجح بها ولم يشتهر عنه من صغره إلى أن مات إلا الخير وحسن الطريقة . وعمر له داراً بالشارع غرم على بوابتها مبلغ مائة ألف درهم ولما نجزت بغض نجازٍ عمل فيها ختمةً واحتفل بها وحضر عنده أهل العلم . ولم يمتع بها فإنه مرض بعدها بيسير ولما مرض بالقلعة طلب النزول إلى داره فقبل له في ذلك فقال : أنا أدرى بخلق أستاذي ! .
قد يكون في خاطره أن يولي الوظيفة لأحد غيري ! .
فأنزلوه إلى داره المذكورة بالشارع فتمرض بها مدةً ومات C في سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة في أوائل رجب فيما أظن . وكانت جنازته حافلةً بالأمراء وغيرهم . وتولى الدوادارية صلاح الدين يوسف الدوادار ووقع الاختلاف بعد موته بمدة يسيرة في تاريخ وفاته بين القاضي شرف الدين ابن الشهاب محمود وبين صلاح الدين الدوادار وأنا حاضر فقلت : تقرى نصيبة قبره . فقال القاضي شرف الدين : والله هذا نقش في حجر . فنظمت هذا المعنى وقلت من الطويل : .
أُخالِف قوماً جادلوني بباطلٍ ... متى مات ألجاي الدوادار أو غبرْ .
وصَدَّتني فيه نصيبةُ قبره ... فكان الذي قد قلته النقشَ في الحجر .
ألجيبغا الأمير سيف الدين المظفري .
تقدم أيام المظفر حاجي إلى الغاية ولم يكن عنده أحد في رتبته ولم يزل اثيلاً إلى أن جرى للمظفر حاجي ما جرى على ما سيأتي في ترجمته . وتولى الناصر حسن أخو المظفر فاستمر معظماً . وكان أحد أمراء المشور الذين تصدر الأوامر عنهم ولم يزل إلى أن وقع الاختلاف بين هؤلاء الأمراء فأخرج إلى دمشق على إقطاع الأمير حسام الدين لاجين أمير آخور . وطلب الأمير حسام الدين المذكور إلى مصر في تاسع شهر ربيع الآخر سنة تسع وأربعين وسبعمائة . قيل : إنهم اختلفوا بعد إخراج الأمير شهاب الدين أحمد أمير شكار إلى صفد فعملوا يوماً مشوراً وهو في الجملة فقال : أيش تريدون ؟ قالوا له : تروح أنت إلى طرابلس نائباً ! .
فقال : إذا كان لا بد من إخراجي فأكون في حماة نائباً . فقالوا له : نعم ! .
وطلبوا له تشريفاً لبسه وأخرجوه إلى حماة . فلما كان في أثناء الطريق ألحقوه بمن قال له : تروح إلى دمشق أميراً ! .
فحضر إلى دمشق على ما تقدم ولم يزل بها مقيماً على إمرته إلى أن حضر الأمير سيف الدين قجا السلاحدار الناصري في أثناء شعبان سنة تسع وأربعين وسبعمائة فأخذه وتوجه به إلى طرابلس نائب سلطنة بها عوضاً عن الأمير بدر الدين ابن الخطير ؟ فأقام بها نائباً إلى أوائل شهر ربيع الأول سنة خمسين وسبعمائة