فلما ملك الملك الناصر صلاح الدين يوسف دمشق سنة ثمان وأربعين خرج الأمير ركن الدين خاص وجماعة من العسكر إلى غزة فتلقتهم عساكر الملك الناصر فاندفعوا راجعين واجتمعوا بجماعة من الأمراء فاتفقوا على مكاتبة الملك المغيث فتح الدين عمر ابن العادل أبي بكر ابن الكامل صاحب الكرك والشوبك وخطبوا له بالصالحية يوم الجمعة لأربع مضين من جمادى الآخرة فنادى المعز بالقاهرة أن البلاد للخليفة المستعصم والملك المعز نائبه بها وحث على خروج العسكر وجددت الأيمان للأشرف بالسلطنة وللمعز بالأتابكية . وقصد الملك الناصر القاهرة وضرب مصافاً مع العساكر المصرية فانكسروا كسرةً شنيعةً ولم يبق إلا تملك الملك الناصر وخطب له في قلعة الجبل وغيرها . وتفرقت عساكر الناصر خلف العساكر المصرية طلب لنهبهم والناصر في شر ذمة قليلة من أعيان الأمراء والملوك تحت السناجق والكوسات تضرب وراءه وتحير المعز في أمره إذ ليس له جهة يلتجئ إليها فعزم بمن كان معه من الأمراء على دخول البرية والتوصل إلى مكانٍ يأمنون فيه فاجتازوا بالناصر على بعدٍ فرأوه في نفرٍ يسير فحملوا عليه حملة رجل واحد فتفرقوا وقتل الأمير شمس الدين لؤلؤ الأميني مدبر الدولة وأتابك العسكر والأمير ضياء الدين القيمري وهرب الناصر لا يلوي على شيء وكسر الصالح عماد الدين إسماعيل ابن العادل والأشرف ابن صاحب حمص والمعظم توران شاه ابن السلطان صلاح الدين وغيرهم واستمرت الكسرة عليهم . وبلغ خبر ذلك الأمير جمال الدين موسى بن يغمور وقد قارب بلبيس ومعه قطعة كبيرة من الجيش فقال : ما علينا نحن ؟ قد ملكنا البلاد والسلطان يعود إلينا ! .
وتوهم بعض الأمراء أن الناصر قتل فقال الأمير نجم الدين الحاجب لابن يغمور : يا خوند جمال الدين حب الوطن من الإيمان ! .
نسبه إلى أنه يختار دخول مصر على كل حال وربما له باطن مع المصريين . فغضب لذلك وثنى رأس فرسه وعاد ولو كان دخل بمن معه لملك الديار المصرية . وعاد المعز إلى القاهرة مظفراً منصوراً وخرج الملك الأشرف من القلعة للقائه ورسخت قدم المعز وعظم شأنه واستمر له الحال إلى سنة إحدى وخمسين . فوقع الاتفاق بينه وبين الناصر على أن يكون له وللبحرية الديار المصرية وغزة والقدس وما في البلاد الشامية للملك الناصر وأفرج عن الملك المعظم توران شاه ابن صلاح الدين وأخيه نصرة الدين والملك الأشرف ابن صاحب حمص وغيرهم من الاعتقال وتوجهوا إلى الشام . وعظم شأن الأمير فارس الدين أقطاري الجمدار والتفت عليه البحرية كما مر في ترجمته وكان أصحابه يسمونه الملك الجواد . فعمل عليه وقتله المعز كما مر هناك ثم إن المعز خلع الأشرف بعد قتل أقطاي وأنزله من قلعة الجبل إلى عماته القطبيات وركب المعز بالصناجق السلطانية واستقل بالأمر بمفرده