إيتاخ التركي كان سيف النقمة للخلفاء وكان المتوكل قد خافه . فجلس معه ليلة بالقاطول فعربد على المتوكل فقال له : أتريد أن تلعب بي كما لعبت بالخلفاء ؟ فهم به وافترقا على ضغينة فدس إليه المتوكل من يشير عليه بالحج فأذن له فلما بلغ الكوفة ولى مكانه . ولما ورد أراد أن يسلك طريق الفرات إلى سر من رأى ولو فعل لقدر على المتوكل وكان المتوكل كتب إلى إسحاق بن إبراهيم بن مصعب متولي بغداد بما يعتمده فلما وصل إيتاخ الكوفة كتب إليه إسحاق : إن أمير المؤمنين رسم أن تدخل بغداد ليتلقاك وجوه بني هاشم وتطلق الجوائز وتنزل دار خزيمة بن خازم فجاء إلى بغداد وتلقاه الناس وفرق إسحاق بينه وبين غلمانه وأنزله في الدار المذكورة وقبض عليه وقيده وكبله بالحديد ثمانين رطلاً . وقيل : إنه طلب الماء فلم يسق ومات عطشاً سنة أربع وثلاثين ومائتين . وقيل : سنة خمس وثلاثين . فأحضر إسحاق القضاة والعدول وشهدوا أنه مات حتف أنفه واستصفى المتوكل أمواله فبلغت ألف ألف دينار وحبس ابناه إلى أن أطلقهما المنتصر .
أيتمش نائب الشام .
أيتمش الأمير سيف الدين الناصري الجمدار كان من مماليك السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون جمداراً له وأمره طبلخاناه هو وستة أمراء في يوم واحد وهو والأمير ناصر الدين محمد بن أرغون النائب وبيدمر البدري وذلك فيما يقارب سنة أربع وعشرين وسبعمائة . وكان كثير السكون والدعة ليس فيه شر البتة وولي الوزارة في آخر أيام الصالح إسماعيل ثم عزل وولي الحجوبية بالديار المصرية . وتزوج ابنته الأمير علاء الدين مغلطاي أمير آخور . ولما قتل الأمير سيف الدين أرغون شاه نائب الشام على ما مر في ترجمته ألزمه الأمراء أرباب الحل والعقد بباب السلطان على أن يكون نائب الشام فامتنع فلما فارقوه حتى وافق ودخل دمشق على خيله في نفرٍ قليل من جماعته في حادي عشر جمادى الآخرة سنة خمسين وسبعمائة وأقام بها لا يرد مرسوماً ولا يعزل ولا يولي طلباً للسلامة ولم يزل بها إلى أن خلع السلطان الملك الناصر حسن وتولى السلطان الملك الصالح صالح فحضر إليه الأمير سيف الدين بزلار وحلفه وحلف العسكر الشامي ثم إنه طلب إلى مصر فخرج من دمشق يوم الخميس ثالث عشرين شهر رجب الفرد سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة وخرج العسكر معه وودعوه إلى الجسورة . ولما وصل إلى مصر سلم على السلطان وعلى الأمراء وتوجه إلى الأمير سيف الدين قبلاي النائب فأمسكه وجهز إلى إسكندرية ولم يزل بها إلى أن ورد مرسوم السلطان الملك الصالح إلى نواب الشام يقول لهم : إن الأمراء بالأبواب الشريفة وقفوا وشفعوا في الأمير سيف الدين أيتمش وقالوا : إن ذنبه كان خفيفاً وسألوا الإفراج عنه فتعرفونا ما عندكم في هذا الأمر ! .
فأجاب الجميع بأن هذا مصلحة فأفرج عنه وجهز على صفد ليكون بها مقيماً بطالاً إن اشتهى يركب وينزل وإن اشتهى يحضر للخدمة فوصل إليها في أول العشر الأواخر من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة فأقام بها إلى أن .
أيدغدي .
الأمير جمال الدين العزيزي .
أيدغدي الأمير الكبير جمال الدين العزيزي كان الكبير القدر شجاعاً كريماً محتشماً كثير البر والصدقة والمعروف يخرج في السنة أكثر من مائة ألف درهم ولا يتعدى القباء النصافي كثير الأدب مع الفقراء حضر مرة سماعاً فحصل للمغاني منه ومن جماعته نحو ستة آلاف درهم . وحسبه المعز في قلعة الجبل مكرماً سنة ثلاث وخمسين إلى أن أخرجه المظفر نوبة عين جالوت واجتمع به الظاهر وشاوره في قتله قطز فلم يوافقه فلما تملك كان عنده في أعلى المراتب وجهزه إلى سيس فأغار وغنم وعاد في شهر رمضان وتوجه إلى صفد وكان يبذل جهده ويتعرض للشهادة فجرح فبقي مدةً وألمه يتزايد ثم حمل إلى دمشق وتوفي ليلة عرفة سن أربع وستين وستمائة ودفن بمقبرة الرباط الناصري .
الكبكي نائب صفد