وأمر جزاراً بقطع يديه ورجليه فقطعت وأمر بذبحه وشق بطنه وبعث برأسه إلى خراسان وصلب بدنه بسر من رأى عند العقبة وموضع خشبته مشهور ؛ وأمر بحمل أخيه عبد الله إلى بغداد مع ابن سروين البطريق إلى إسحاق بن إبراهيم ففعل به كما فعل بأخيه بابك وصلب بالجانب الشرقي بين الجسرين . ويقال إن أخاه عبد الله لما دخل بهما على المعتصم قال له : يا بابك إنك قد عملت ما لم يعمله أحد فاصبر صبراً لم يصبره أحد . فقال : سترى صبري فبدئ ببابك قبل أخيه وقطعت يده فمسح بدمه وجهه فقال المعتصم : سلوه لم فعل هذا ؟ فقال : في نفس الخليفة أن لا يكويها ويدع دمي ينزف إلى أن أموت أو يضرب عنقي فخشيت إذا خرج الدم من جسدي يصفر وجهي فيعتقد من حضرني أني قد جزعت من الموت فغطيت وجهي بالدم لهذا . فقال المعتصم : لولا أن أفعاله لا توجب الصنيعة لعفوت عنه ولكان حقيقاً بالاستبقاء . وكان قتله سنة اثنتين وعشرين ومائتين .
وكان المعتصم بعث نفقات الجيوش بسبب بابك في أول السنة المذكورة ثلاثين ألف ألف درهم وجعل المعتصم لمن أتى به حياً ألفي ألف درهم ولمن جاء برأسه ألف ألف درهم . وكان بابك قد هرب واختفى في غيضة ثم خرج منها فالتقاه سهل البطريق فبعث به إلى الأفشين بعدما خبأه عنده . فجاء أصحاب الأفشين وأحدقوا به وأخذوه فأعطى المعتصم لسهل البطريق ألفي ألف درهم وحط عنه خراج عشرين سنة .
وكان ظهور بابك سنة إحدى ومائتين بناحية أذربيجان وتبعه خلق عظيم على رأيه فأقام عشرين سنة يهزم جيوش المأمون والمعتصم فيقال إنه قتل مائة ألف وخمسين ألفاً وخمس مائة إنسان . ولما قتله المعتصم وفتح الأفشين مدينته وجد فيها سبعة آلاف وست مائة امرأة مسلمة . ولما صلبت جثته جعلت إلى جانب جثة المازيار صاحب طبرستان وقد مر ذكره في محمد بن قارن . ومدح المعتصم عند ذلك أبو تمام بقصيدته التي أولها : .
الحق أبلج والسيوف عوار ... فحذار من أسد العرين حذار .
يقول فيها : .
ما زال سر الكفر بين ضلوعه ... حتى اصطلى سر الزناد الواري .
ناراً يساور جسمه من حرها ... لهب كما عصفرت شق إزار .
طارت لها شعل فهدم لفحها ... أركانه هدماً بغير غبار .
فصلن منه كل مجمع مفصل ... وفعلن فاقرةً بكل فقار .
مشبوبةً رفعت لأعظم مشرك ... ما كان يرفع ضوءها للساري .
صلى لها حياً وكان وقودها ... ميتاً ويدخلها مع الفجار .
وكذاك أهل النار في دنياهم ... يوم القيامة جل أهل النار .
ولقد شفيت القلب من برحائه ... أن صار بابك جار مازيار .
سود الثياب كأنما نسجت لهم ... أيدي السموم مدارعاً من قار .
بكروا وأسروا في بطون ضوامر ... قيدت لهم من مربط النجار .
لا يبرحون ومن رآهم خالهم ... أبداً على سفر من الأسفار .
كادوا النبوة والهدى فتقطعت ... أعناقهم في ذلك المضمار .
ثانيه في كبد السماء ولم يكن ... كاثنين ثان إذ هما في الغار .
وإنما قيل له بابك الخرمي لأنه دعا الناس إلى مقالة الخرمية وهو لفظ أعجمي ينبئ عن الشيء المستطاب المستلذ لأنهم يعتقدون إباحة الأشياء وهو راجع إلى عدم التكليف والتسلط على اتباع الشهوات . وهذا اللقب كان للمزدكية وهم أهل الإباحة من المجوس أتباع مزدك الذي نبغ في أيام قباذ والد أنو شروان ودعا مزدك قباذاً إلى مذهبه فأجابه ثم اطلع على حاله فقتله . وكان مزدك يقول : النور والظلمة قديمان أزليان فالنور سميع بصير حساس يفعل بالقصد والاختيار . والظلمة جاهلة عمياء تفعل عن الخبط والاتفاق . وكان الخرمي بابك على هذا المذهب وكذلك كان اعتقاد محمد بن قارن المذكور . ثم إن الأفشين ظهر للمعتصم أن اعتقاده كان معهما فقتله وصلبه إلى جانبهما . واسم الأفشين خيدر - بالخاء المعجمة - وسيأتي ذكره في حرف الخاء في مكانه إن شاء الله تعالى . وهذه الطائفة إحدى الطوائف المذكورة في ترجمة إسماعيل بن جعفر .
الألقاب .
ابن بابك الشاعر : اسمه عبد الصمد بن منصور ابن باتانة المقرئ : اسمه محمد بن عبد الملك .
باتكين سلطان إربل