وكان القاضي شهاب الدين ابن فضل الله قد دخل به إلى الديوان بدمشق في أوائل سنة ثلاث وأربعين وسبع مائة وكان أقام مدة يتردد إلى الديوان ويكتب ولم يكتب له توقيع فكان يتقاضى القاضي شهاب الدين في ذلك كل قليل بمقاطيع مطبوعة وأبيات فيها المحاسن مجموعة من ذلك قوله وكتبت له توقيعاً هذه نسخته رسم بالأمر العالي لا زال يزيد البلغاء جمالاً ويفيد الفصحاء باختياره كفواً يخجل القمر كمالاً أن يرتب المجلس السامي القضائي الجمالي في كذا انجازاً لوعد استحقاقه الذي أوجب له الصون والصولة وابرازاً لما في ضمير الزمان له من أن يرى له في الجو جولة وايجازاً لما أسهب توهمه في الحرمان والحنو الشهابي يرفرف حوله واحرازاً لأدبه الذي ما حلي بقلمه فيم ديوان ولا حلى بكلمه جيد دولة لأنه الفاضل الذي يروض الإطراس ويصيب بسهام أقلامه الأغراض على انهاماً تنفذ في القرطاس ويترجل البرق لارتجاله الذي يقول له التروي ما في وقوفك ساعة من باس ويهز الأعطاف بأنشائه الذي كأنه زمن الصبي والدهر سمح والحبيب مواتي ويمطر الأفهام غمام كلامه الحلو فيتحقق الناس أنه القطر النباتي ويذكر الزمن الفاضلي بآدابه التي أظلمت على ابن سناء الملك وما عاش لها ابن مماتي فليباشر ذلك مباشرة تصدق الأمل في فضائله وتحقق الظن في كماله الذي تنزه الطرف في مخائل خمائله ويشهد أواخر أدبه لقديم بيته وأوائله وليمنق الطروس بسطوره فإن حروفه آنق من تخاريج العذار ومداده أليق من خيلان ليل في خدود نهار وألفاظه تروق لطفاً كما تروق الثغور العذاب عند التبسم والافترار ومعانيه يشف نورها كما شف لجين الكاس عن ذهب العقار فقد صادفت سحائب كلمه روابي يزكو غراس نباتها ومواقع انشائه أكباداً تتلظى ظماً إلى برد قطراتها وجياد بلاغته مضماراً لا يضيق مداه عن فسيح خطواتها وأقلام بيانه أجماً لا تزأر أسد الفصاحة إلا من غاباتها فكم له من تعاليق ما رآها الجاحظ في حيوانه وكم له من جمل دواوين ولكنه اليوم جمال ديوانه وليكتم ما يكتب في قلبه ويدفن ميت الأسرار في ضريح جانحتيه إلى لقاء ربه فإنها صناعة الكتمان رأس مالها والترفع والانجماع عن الناس سر جمالها والوصايا كثيرة وتقوى الله تعالى ملاك ما يؤمر به وتناط الوصايا الحسان بسببه فلينسج منها على خير منوال وليجر فيها على خير أسلوب فإن من عدمها ماله من وال والخط الكريم أعلاه حجة بمقتضاه إن شاء الله تعالى .
أبو اليسر ابن الصايغ محمد بن محمد بن محمد بن عبد القادر .
ابن عبد الخالق بن خليل ابن مقلد الأنصاري الشيخ الإمام المفتي بركة الوقت بدر الدين أبو اليسر ابن قاضي القضاة عز الدين أبي المفاخر الدمشقي الشافعي مدرس الدماغية والعمادية ولد سنة ست وسبعين وسمع كثيراً من أبيه وابن شيبان والفخر علي وبنت مكي وعدة وحضر ابن علان وحدث بصحيح البخاري عن اليوناني وسمع حضوراً من فاطمة بنت عساكر وحفظ التنبيه ولازم حلقة الشيخ برهان الدين وولونه قضاء القضاة فاستعفى وصمم فاحترمه الناس وأحبوه لتواضعه ودينه وعظمه تنكز نايب دمشق واعتقد فيه وحج غير مرة وتولى خطابة القدس مديدة ثم تركها ولما كان بالقدس طلبه المقادسة ودخلوا عليه بسماع الحديث وخرجوا به من هذا إلى طلب الشفاعات عند ناظر الحرمين فشفع لهم وأكثر من الشفاعات فاستثقله الناظر وشكا في الباطن لنايب دمشق وقال هذا يدخل روحه في غير الخطابة ويتكلم في الولاية والعزل فنقص قدره عنده وكان مقتصداً في لباسه وأموره ودرس وهو أمرد ثم زار القدس فتعلل هناك ونقل إلى دمشق ومات بها يوم الجمعة سنة تسع وثلاثين ودفن عند أبيه بسفح قاسيون وشيعه الخلائق وحمل على الرؤس وكات وفاته بعد القاضي جلال الدين القزويني بليال يسيرة وهو ابن عمر بن الخطاب قاضي القضاة نور الدين ابن الصايغ قاضي حلب .
نور الدين ابن الصايغ قاضي حلب محمد بن محمد بن محمد بن عبد القادر