أخبرني القاضي شهاب الدين ابن فضل الله قال : كان أبوه جرايحيا فلما نشأ صلاح الدين اقرأه القرآن الكريم فحفظ منه نحو النصف وقرأ طرفا من العربية علي ابن النحاس وقرأ الطب على العماد النابلسي ثم على الشيخ علاء الدين ابن النفيس وأجيز أولا في الكحل ثم بالتصرف في الطب وكان فاضلا في فروع الطب مشاركا في الحكمة مايلا إلى علم النجوم والكلام على طبايع الكواكب وأسرارها وقرأ في آخر عمره على شيخنا شمس الدين الاصبهاني كثيرا من الحكمة وسمع بقراءة الفخر عبد الوهاب ابن الحكيم كتاب الشفاء لابن سينا على الشيخ شمس الدين وهو يشرحه لصلاح الدين ميعادا فميعادا إلى أن أكمله قال وسألت الأصبهاني عنه فقال اشتغاله أكثر من ذهنه وكان علمه بالطب اكثر من معالجته قال حكي لي شيخنا الاصبهاني أنه طلعت في إصبعه سلعة فاستطب لها صلاح الدين فبهت ثم وصف أشياء لم تفده فقال له الفخر عبد الوهاب لو عملت كذا كان انفع له فعمله فنفعه وبرأ به قال وكان صلاح الدين ذا مال واسع ومتجر بالصعيد وأكثره في اخميم وكان من أعيان أطباء السلطان الذين يدخلون عليه ويعرف له السلطان مكانته وفضله وكان خصيصا بالنايب آرغون ثم بطقزتمر يطلع في كل سنة طقزتمر إلى الصعيد فيكون معه في خدمته ويستعين بصحبته على استخراج ماله ونفاق متاجره ولما ولي القاضي جلال الدين الديار المصرية صحبه صلاح الدين المذكور وكان يسفر عنده لقضاة الصعيد يقدم إليه كتبهم ويجهز إليهم أجوبته وكان لا يزال ذرعه ضيقا يتقدم ابن النغربي عليه وكتب إلى السلطان يسأله الإعفاء من الطب وأن يكون من تجار الخاص فقال السلطان نحن نعرف أنه إنما قال هذا لكون ابن المغربي هو الرئيس مع كونه هو أكبر وأفضل فلا يأخذ في خاطره من هذا فهو عندنا عزيز كريم وإنما إبراهيم ابن المغربي صاحبنا ولاجل هذا عملناه الرئيس ونحن نعرف أنه ما يستحق التقديم عليه فطاب خاطر صلاح الدين بذلك وخطب آخت ابن المغربي وتزوج بها واتحدا بعد مباينة البواطن قال وكان صلاح الدين يثبت علم الكيمياء ويقول أنه صحب ابن أمير كان اسمه ابن سنقر الرومي وأنه كان عملها بحضوري غير مرة إلى غير هذا مما كان مغري به من الروحانيات واعتقاد ما يقال من المخاطبات النجومية قال وعلى الجملة فكان قليل المثل في وقته انتهى قلت : كان صلاح الدين C يتردد كثيرا إلى القاضي شهاب الدين ويجتمع به وهو من أعرف الناس بحاله وقد اجتمعت به غير مرة وسمعت كلامه وكان يستحضر كليات القانون وكان يلثغ بالراء لثغة مصرية وعلى ذهنه شيء من الحماسة والمقامات وشعر أبي الطيب وكان في ذهنه جمود وكان يجتمع هو والشيخ ركن الدين ابن القوبع C تعالى في دكان الشهود الذي في باب الصالحية ويذكر صلاح الدين شيئاً من كلام الرئيس إما من الأشارات أو غيرها ويشرح ذلك شرحا غير مطابق لكلام الرئيس فما يصبر له الشيخ ركن الدين ويقول : سبحان الله من يكون ذهنه هذا الذهن يشتغل فلسفة هذا الكلام معناه كذا وكذا فهو في واد وأنت في واد وهذا الذي يفهم من كلام الشيخ وهو المطابق للقواعد عند القوم فيعود صلاح الدين في خجل كثير بين الجلوس وأظنه فارق الزوجة التي تزوجها من بيت ابن المغربي قبل وفاته ولما مرض النايب ارغون بحلب أول مرة طلبه من السلطان فحضر إليه وعالجه بحلب ثم توجه إلى القاهرة ثم أنه لما مرض الثانية التي مات فيها طلبه فوصل إلى أربد وبلغته وفاته فعاد وتوفي صلاح الدين بالقاهرة في سنة ثلث وأربعين وسبع ماية .
ابن الاكفاني الحكيم شمس الدين محمد بن ابرهيم بن ساعد شمس الدين أبو عبد الله الأنصاري