المعروف بابن الاكفاني السنجاري المولد والأصل المصري الدار فاضل جمع اشتات العلوم وبرع في علوم الحكمة خصوصا الرياضي فإنه أمام في الهيئة والهندسة والحساب له في ذلك تصانيف وأوضاع مفيدة قرأت عليه قطعة جيدة من كتاب اقليدس فكان يحل لي فيه ما اقرأه عليه بلا كلفة كأنما هو ممثل بين عينيه فإذا ابتدأت في الشكل شرع هو فيسرد باقي الكلام سردا وأخذ الميل ووضع الشكل وحروفه في الرمل على التخت وعبر عنه بعبارة جزلة فصيحة بينة واضحة كأنه ما يعرف شيئاً غير ذلك الشكل وقرأت عليه مقدمة في وضع الآفاق فشرحها لي أحسن شرح وقرأت عليه أول الأشارات فكان يحل شرح نصير الدين الطوسي بأجل عبارة وأجلى أشارة وما سألته عن شيء في وقت من الأوقات عما يتعلق بالحكمة من المنطق والطبيعي والرياضي والألهي إلا وأجاب بأحسن جواب كأنما كان البارحة يطالع تلك المسألة طول الليل وأما الطب فإنه كان أمام عصره وغالب طبه بخواص ومفرادت يأتي بها إلى المريض وما يعرفها أحد لأنه يغير كيفيها وصورتها حتى لا تعلم وله أصابات غريبة في علاجه وأما الأدب فإنه فريد فيه يفهم نكته ويذوق غوامضه ويستحضر من الأخبار والوقايع والوفيات للناس قاطبة جملة كبيرة ويحفظ من الشعر شيئاً كثيرا إلى الغاية من شعر العرب والمولدين والمحدثين والمتأخرين وله في الأدب تصاني ويعرف العروض والبديع جيدا وما رأيت مثل ذهنه يتوقد ذكاء بسرعة ما لها روية وما رأيت فيمن رأيت أصح ذهنا منه ولا أذكى وأما عبارته الفصيحة الموجزة الخالية من الفضول فما رأيت مثلها كان الشيخ فتح الدين ابن سيد الناس يقول : ما رأيت من يعبر عما في ضميره بعبارة موجزة مثله انتهى ولم أر امتع منه ولا أفكه من محاضرته ولا أكثر أطلاعاً منه على أحوال الناس وتراجمهم ووقايعهم ممن تقدم وممن عاصره وأما أحوال الشرق ومتجددات التتار في بلادهم في أوقاتها فكأنما كانت القصاد تجىء إليه والملطفات تتلى عليه بحيث أنني كنت أسمع منه ما لم أطلع عليه من الديوان وأما الرقي والعزايم فيحفظ منها جملا كثيرة وله اليد الطولى في الروحانيات والطلاسم وما يدخل في هذا الباب وقرأت عليه من تصانيفه : أرشاد القاصد إلى آسنى المقاصد واللباب في الحساب ونخب الذخاير في معرفة الجواهر وغنية اللبيب عند غيبة الطبيب ومما لم اقرأه عليه من تصانيفه كتاب كشف الرين في أمراض العين وله نظم أنشدني منه من لفظه لنفسه : .
ولقد عجبت لعاكس للكيميا ... في طبه قد جاء بالشنعاء .
يلقى على العين النحاس يحيلها ... في لمحة كالفضة البيضاء .
وله تجمل في بيته وملبسه ومركوبه من الخيل المسومة والبرة الفاخرة ثم أنه اقتصر وترك الخيل وآلى على نفسه أنه لا يطب أحدا إلا في بيته أو في البيمارستان أو في الطريق وله اليد الطولى في معرفة الأصناف من الجواهر والقماش والآلات وأنواع العقاقير والحيوانات وما يحتاج إليه البيمارستان المنصوري بالقاهرة لا يشترى ولا يدخل إلى البيمارستان إلا بعد عرضه عليه فإن أجازه اشتراه الناظر وأن لم يجزه لم يشتر البتة وهذا أطلاع كثير وخبرة تامة فإن المارستان يريد كل ما في الوجود مما يدخل في الطب والكحل والجراح وغير ذلك وأما معرفة الرقيق من المماليك والجواري فإليه المآل في ذلك ورأيت المولعين بالصنعة يحضرون إليه ويذكرون له وما وقع لهم من الخلل في أثناء أعمالهم فيرشدهم إلى الصواب ويدلهم على اصلاح ذلك الفساد ولم أره يعوز شيئا من كمال الأدوات غير أن عربيته ضعيفة وخطه أضعف من مرضى مارستانه ومع ذلك فله كلام حسن ومعرفة جيدة بأصول الخط المنسوب والكلام على ذلك وتوفي C تعالى في طاعون مصر سنة تسع وأربعين وسبع ماية وتألمت لفقده C تعالى .
كمال الدين ابن رفاعة القوصي محمد بن ابرهيم بن محمد ابن علي بن رفاعة كمال الدين أبو الفتوح القوصي .
عالم مفنن يعرف الفقه والأصلين والنحو واللغة والتفسير تولى الحكم بالأعمال القوصية سنين كثيرة ومدحه الأديب الفاضل على بن صادق بن علي بن محمد الخزرجي بمدايح جمعها في كتاب وقفاها وعمل فيها مقدمة وصفه فيها بنظم ونثر وهو كتاب كبير قال الفاضل كمال الدين جعفر الأدفوي : مولده بقوص سنة أربعين وخمس ماية وتوفي سنة ست وتسعين وخمس ماية