وروى عن إسماعيل بن عياش أنه قال كنت بالعراق فأتاني أهلي الحديث فقالوا هننا رجل يحدث عن خالد بن معدان فأتيته فقلت أي سنة كتبت عن خالد بن معدان فقال سنة ثلث عشرة يعني ومائة فقلت أنك تزعم أنك سمعت منه بعد موته بسبع سنين لن خالداً مات سنة ست ومائة . وروى عن الحاكم أبي عبد الله أنه قال لما قدم علينا أبو جعفر محمد بن حاتم الكشي بالشين والسين معاً وحدث عن عبد بن حميد سألته عن مولده فذكر أنه ولد سنة ستين ومائتين فقلت لأصحابنا هذا سمع من عبد بن حميد بعد موته بثلاث عشرة سنة . وذكر قاضي القضاة شمس الدين أحمد بن خلكان C قال وجدت في كتاب الشامل في أصول الدين لإمام الحرمين وذكر طايفة من الثقات الأثبات أن هؤلاء الثلاثة تواصوا على قلب الدول والتعرض لإفساد المملكة واستعطاف القلوب وسامالتها وارتاد كل واحد منهم قطراً أما الجنابي فأكناف الأحساء وابن المقفع توغل في أطراف بلاد الترك وارتاد الحلاج بغداد فحكم عليه صاحباه بالهلكة والقصور عن درك الأمنية لبعد أهل العراق عن الانخداع هذا آخر كلام أمام الحرمين ثم قال شمس الدين ابن خلكان وهذا لا يستقيم عند أرباب التواريخ لعدم اجتماع الثلاثة المذكورين في وقت واحد أما الحلاج والجنابي فيمكن اجتماعهما ولكن لا أعلمه اجتمعا أو لا وذكر وفاة الحلاج في سنة تسع وثلاث مائة وذكر وفاة الجنابي في سنة إحدى وثلاث مائة وذكر ابن المقفع فقال كان مجوسياً وأسلم على يد عيسى بن علي عم السفاح والمنصور وكتب له واختص به وذكر أنه قتل في سنة خمس وأربعين ومائة ثم إن ابن خلكان قال لعل إمام الحرمين أراد المقنع الخراساني وإنما الناسخ حرف عليه ثم فكرت في أن ذلك أيضاً لا يصح لأن المقنع الخراساني قتل نفسه بالسم في سنة ثلاث وستين ومائة ثم قال وإذا أردنا تصحيح ما ذهب إليه إمام الحرمين فلا يكون إلا ابن الشلمغاني لأنه أحدث مذهباً غالياً في التشيع والتناسخ وأحرق بالنار في سنة اثنتين وعشرين وثلاث مائة .
الفصل العاشر .
في أدب المورخ .
نقلت من خط الإمام العلامة الحجة شيخ الإسلام قاضي القضاة تفي الدين أبو الحسن علي بن عبد الكافي السبكي الشافعي ما صوره قال : يشترط في المورخ الصدق وإذا نقل يعتمد اللفظ دون المعنى وأن لا يكون ذلك الذي نقله أخذه في المذاكرة وكتبه بعد ذلك وأن يسمى المنقول عنه فهذه شروط أربعة فيما ينقله ويشترط فيه أيضاً لما يترجمه من عند نفسه ولما عساه يطول في التراجم من النقول ويقصر أن يكون عارفاً بحال صاحب الترجمة علماً وديناً وغيرهما من الصفات وهذا عزيز جداً وأن يكون حسن العبارة عارفاً بمدلولات الألفاظ وأن يكون حسن التصور حتى يتصور حال ترجمته جميع حال ذلك الشخص ويعبتر عنه بعبارة لا تزيد عليه ولا تنقص عنه وأن لا يغلبه الهوى فيخيل إليه هواه الأطناب في مدح من يحبه والتقصير في غيره بل إما أن يكون مجرداً عن الهوى وهو عزيز وإما أن يكون عنده من العدل ما يقهر به هواه ويسلك طريق الانصاف فهذه أربعة شروط أخرى ولك أن تجعلها خمسة لأن حسن تصوره وعلمه قد لا يحصل معهما الاستحضار حين التصنيف فيجعل حضور التصور زايداً على حسن التصور والعلم فهي تسعة شروط في المورخ واسعبها الأطلاع على حال الشخص في العلم فإنه يحتاج إلى المشاركة في علمه والقرب منه حتى يعرف مرتبته .
وما ذكرت هذا الكلام لا بالنسبة إلى تواريخ المتأخرين فإنه قل فيها اجتماع هذه الشروط وأما المتقدمون فإني أتأدب معهم لكني رأيت حال كتابتي هذه شيئاً لا بأس بكره هنا وهون أن أبا الوليد الباجي المالكي حكى في كتابه المسمى تاريخ الفقهاء عن غيره أن يحيى بن معين ضعف الشافعي فبلغ ذلك أحمد بن حنبل فقال هو لا يعرف الشافعي ولا يعرف ما يقول انتهى . قلت هذه الشروط تلزم الذي يعمل تاريخاً على التراجم أما من يعمل تاريخاً على الحوادث فلا يشترط فيه ذلك لإنه ناقل الوقائع التي يتفق حدوثها فيشترط فيه أن يكون مثبتاً عارفاً بمدلولات الألفاظ حسن التصور جيد العبارة .
الفصل الحادي عشر .
في ذكر شيء من أسماء كتب التواريخ .
المؤلفة لمن تقدم من أرباب هذا الفن .
تاريخ المشرق وبلاده