وكان إذا خدمه الإنسان مرة في عمره بقي صاحبه إلى آخر وقت وقضى أشغاله وكانت فيه عصبية لأصحابه وانتفع به خلق كثير في الدولة الناصرية من الأمراء والنواب والقضاة والفقهاء والأجناد وغيرهم من أهل الشام ومصر لوجاهته عند أستاذه وإقدامه عليه لم يكن لأحد من الترك ولا من المتعممين إقدامه عليه .
أما أنا فسمعت السلطان الملك الناصر يقول يوماً في خانقاه سرياقوس لجندي واقف بين يديه يطلب إقطاعاً : لا تطول والله لو أنك ابن قلاون ما أعطاك القاضي فخر الدين خبزاً يعمل أكثر من ثلاثة آلاف درهم .
وحكى القاضي عماد الدين ابن القيسراني أنه قال له في يوم خدمة ونحن في دار العدل : يا فخر الدين تلك القضية طلعت فاشوش فقال له : ما قلت لك أنها عجوز نحس ؟ يريد بذلك بنت كوكاي امرأة السلطان لأنها ادعت أنها حبلى وأخباره معه من هذه النسبة كثيرة وكان أولاً كاتب المماليك ثم انتقل إلى نظر الجيش ونال من الوجاهة ما لم ينله غيره .
وكان الأمير سيف الدين أرغون النائب على عظمته يكرهه وإذا قعد للحكم أعرض عنه وأدار كتفه إليه ولم يزل فخر الدين يعمل عليه إلى أن توجه أرغون إلى الحجاز .
فقيل أنه أتى بذكره يوماً وقال له : يا خوند ما يقتل الملوك إلا نوابهم هذا بيدراً قتل أخاك الأشرف وحسام الدين لاجين المنصور قتل بسبب نائبه منكوتمر فتخيل السلطان منه ولما جاء من الحجاز لم يره وجهزه إلى حلب نائباً .
وهو الذي حسن له أن لا يكون له وزير بعد الجمالي ولذلك بقيت جميع أمور المملكة متعلقة به في الجيوش والأموال وغيرها .
ولما غضب عليه وولى القاضي قطب الدين ابن شيخ السلامية صادره وأخذ منه أربع مائة ألف درهم فلما رضي عليه أمر بإعادتها إليه فقال له : يا خوند أنا خرجت عنها لك فابن بها لك جامعاً فبنى بها الجامع الذي في موردة الحلفاء .
وسمعت من قزمان شخص كان كاتباً يحدث أنه جاء مرة إلى القدس وكنت هناك فتوجه إلى قمامة وكنت من خلفه وهو لا يراني وهو يمشي فيها وينظر إلى تلك المعابد ويقول : ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا . وعلى الجملة فكان للملك والزمان به جمال .
وكان في آخر أمره يباشر بلا معلوم وترك الجميع إلا كماجة تحضر له كل يوم من المخابز السلطانية ويقول : أتبرك بها .
ولما قيل للسلطان أنه مات لعنه وقال : له خمس عشرة سنة ما يدعني أعمل ما أريد . ومن بعده تسلط السلطان على الناس وصادر وعاقب وتجرأ على كل شيء .
وتوفي C في سنة اثنتين وثلاثين وسبع مائة ووصى من ماله للسلطان بأربع مائة ألف درهم فأخذ منه أكثر من ألف ألف درهم .
المسند المحدث الأندلسي محمد بن فطيس بن واصل أبو عبد الله الغافقي الأندلسي الإلبيري محدث مسند بتلك الديار . قال ابن الفرضي كان ضابطاً نبيلاً صدوقاً توفي سنة تسع عشرة وثلاث مائة .
محمد بن فليح بن سليمان قال العقيلي : لا يتابع على بعض حديثه .
قال الشيخ شمس الدين : كثير من الثقات قد تفردوا ويصح أن يقال فيهم لا يتابعون على بعض حديثهم انتهى . وقد روى عنه البخاري والنسائي وابن ماجه .
توفي سنة سبع وتسعين ومائة .
المازيار صاحب طبرستان محمد بن قارن المازيار صاحب طبرستان .
كان مبايناً لعبد الله بن طاهر وكان الأفشين يدس إليه ويشجعه ويحمله على خلاف المعتصم فخالف وصادر الناس وأذلهم بطبرستان وجعل السلاسل في أعناقهم وهدم المدن فهرب الناس منه إلى خراسان وكتب المعتصم إلى عبد الله بن طاهر يأمره بقتاله فبعث إليه عمه الحسن بن الحسين بن مصعب فحاربه وأحاط به وأخذه أسيراً وقتل أخاه شهريار وجاء به إلى عبد الله بن طاهر فوعده إن هو أظهره على كتب الأفشين إليه أن يشفع له عند المعتصم فأقر له المازيار بالكتب فأخذها ابن طاهر وبعث بها وبالمازيار إلى المعتصم فسأله عنها فلم يقر بها . فأمر بضربه حتى مات وصلبه إلى جانب بابك بعدما ضرب المازيار أربع مائة وخمسين سوطاً وطلب الماء فلم يسق فمات من وقته عطشاً .
وكان المأمون يعظمه ويكتب إليه : من عبد الله المأمون إلى أصبهبذ أصبهبذان وصاحب محمد بن قارن مولى أمير المؤمنين .
وفيه يقول أبو تمام الطائي من قصيدة : .
ولقد شفيت القلب من برحائها ... أن صار بابك جار مازيار .
ثانيه في كبد السماء ولم يكن ... كاثنين ثانٍ إذ هما في الغار