محمد بن نصر بن صغير بن خالد أبو عبد الله مهذب الدين أو عدة الدين الشاعر المشهور صاحب الديوان المعروف بابن القيسراني حامل لواء الشعر في زمانه ولد بعكا سنة ثمان وسبعين وأربع مائة ونشأ بقيسرية الساحل فنسب إليها وسكن دمشق وتولى إدارة الساعات التي على باب الجامع وسكن فيها في دولة تاج الملوك وبعده وسكن حلب مدة وولي بها خزانة الكتب وتردد إلى دمشق وبها مات سنة ثمان وأربعين وخمس مائة وقرأ الأدب على توفيق بن محمد وأتقن الهندسة والحساب والنجوم وصحب أبا عبد الله ابن الخياط الشاعر وبه تخرج وروى عنه شعره وكان عندي ديوان ابن الخياط وعليه خط ابن القيسراني وقد قرئ عليه ووقفت على ديوانه بخطه من أوله إلى آخره وملكت به نسخة عليها خطه ودخل بغداذ ومدح صاحب الإنشاء سديد الدولة محمد بن الأنباري وسمع بحلب من الخطيب أبي طاهر هاشم بن أحمد الحلبي وغيره وسمع منه الحافظان أبو القاسم ابن عساكر وأبو سعيد سفيان السمعاني وهو والد موفق الدين خالد وزير نور الدين الشهيد وجاء في أولاده جماعة فضلاء ووزراء وكتاب وكان هو وابن منير شاعري الشام وجرت بينهما وقائع ونوادر وملح وكان ابن منير يرمى بالتشيع فبلغ ابن القيسراني أنه هجاه فقال : .
يا ابن منير هجوت مني ... حبراً أفاد الورى صوابه .
ولم تضيق بذاك صدري ... فإن لي أسوة الصحابة .
وقال في خطيب : .
شرح المنبر صدراً ... بترقيك خطيبا .
أترى ضم خطيباً ... أم ترى ضمخ طيبا .
قال ابن خلكان : هما لأبي القاسم زيد بن أبي الفتح أحمد بن عبيد بن فضال الموازيني المعروف أبوه بالماهر ولكن ابن القيسراني أنشدهما لابن هاشم الخطيب لما تولى الخطابة وقال : .
وقالوا : لاح عارضه ... وما ولت ولايته .
فقلت : عذار من أهوى ... أمارته إمارته .
ونقلت من خطه له وهو لطيف : .
أهيم إلى العذاب من ريقه ... إذا تيم العاشقين العذيب .
شهدت عليه وما ذقته ... يقيناً ولكن من الغيب غيب .
ونقلت منه أيضاً له : .
ولما دنا التوديع قلت لصاحبي ... حنانيك سربي عن ملاحظة السرب .
إذا كانت الأحداق نوعاً من الظبى ... فلا شك أن اللحظ ضرب من الضرب .
ونقلت منه أيضاً له : .
كم ليلة بت من كأسي وريقته ... نشوان أمزج سلسالاً بسلسال .
وبات لا تحتمي مني مراشفه ... كأنما ثغره ثغر بلا وال .
ونقلت منه له أيضاً : .
اسعد بغراء عروضيةٍ ... ميزانها في الشعر طيار .
وإن تكن جاءت بديهية ... فربما أسكر مسطار .
ونقلت منه له أيضاً : .
بدور حجي يرفض سيوف نورها الدجى ... وينجاب منها عن شمائل أنجاب .
تهز الوغى منكم سيوف صوارم ... وتجلو العلى منكم شمائل كتاب .
ونقلت منه له أيضاً : .
استشعر اليأس في لا ثم تطمعني ... إشارة في اعتناق اللام بالألف .
ومن أنشأ مهذب الدين ابن القيسراني رسالة صورة منام تعرف بظلامة الخالدي صنفها في حق واعظٍ كان يمدح الناس بأشعار أبي تمام الطائي وهي : إني مخبركم عن سرى سريتها ورؤيا رأيتها ومنام حضرته وكلام حفظته فيه فحصرته طال به الليل عن تجانف قصره ومال به القول عن مواقف حصره فبت في غماره عائماً وقد تعتري الأحلام من كان نائماً ومن حق تأويله أن يقال : خيراً رأيت وخيراً يكون وهو أني رأيت في ما يرى الحالم الرائي أبا تمام حبيب بن أوس الطائي في صورة رجل كهل كاس من الفضل عار من الجهل العربية تعرب عن شمائله والألمعية تلمع في مخايله فجعل يرمقني في اعتراض ويستنطقني من غير اعتراض ثم سعى إلي بإقدام علي فعرفني بنفسه بعد أن عرفني بثاقب حدسيه .
فقمت للزور مرتاعاً وأرقني ... حقاً أرى شخصه أم عادني حلم