محمد بن الهذيل بن عبد الله بن مكحول العلاف البصري المعتزلي أبو الهذيل وقيل اسمه أحمد وكان من أجلاد القوم رأساً في الاعتزال ومن المعتزلة فرقة ينسبون إليه يعرفونه بالهذيلية يقولون بمقالاته زعم أن أهل الجنة تنقطع حركاتهم حتى لا يتكلموا كلمة وينقطع نعيمهم وكذلك أهل النار خمود سكوت وتجتمع اللذة لأهل الجنة والآلام لأهل النار في ذلك السكون وهذا قريب من مذهب جهم بن صفوان فإنه حكم بفناء الجنة والنار وإنما التزم أبو الهذيل هذا المذهب لأنه لما التزم في مسئلة حدث العالم أن الحوادث التي لا أول لها كالحوادث التي لا آخر لها إذ كل واحد منهما لا يتناهى قال : إني لا أقول بحركات لا تتناهى بل يصيرون إلى سكون دائم فظن أن ما التزم من الإشكال في الحركة لا يلزمه في السكون وغلط في ذلك بل هو لازم فلا فرق في امتناع عدم التناهي بين الحركات والسكون وأثبت إرادات لا في محل وهو أول من أحدث هذه المقالة وتابعه عليها جماعة من المتأخرين وقال : بعض كلام البارئ لا في محل وهو قوله كن وبعضه في محل كالأمر والنهي والخبر والاستخبار وابتدع القول بأن المقتول بالسيف أو غيره لم ينته أجله ولا مات بأجله حتى لو فرضنا أنه لم يقتل لبقي إلى أجله فيموت وكذلك من أكل حراماً لم يأكل رزقه وانفرد بأشياء غير هذه يروى عن المأمون قال لحاجبه : من بالباب ؟ فقال : أبو الهذيل وعبد الله بن إباض الخارجي وهشام ابن الكلبي الرافضي فقال : ما بقي من رؤوس جهنم أحد إلا وقد حضر ! .
شرب مرة عند أناس فراود غلاماً أمرد فضربه بتور فدخل في رقبته مثل الطوق فأحضر حداد حتى فكه من عنقه وقال أبو الهذيل : أول ما تكلمت كان عمري خمس عشرة سنة فبلغني أن يهودياً قدم البصرة وقطع كل من فيها فقلت لعمي : امض بي إليه حتى أناظره فقال : لا طاقة لك به فقلت : بلى فمضينا إليه فوجدته في إثبات نبوة موسى وإنكار نبوة محمد A ويقول : نحن قد اتفقنا على نبوة موسى فأثبتوا لنا نبوة محمد حتى نقر به فقلت له : أسألك أو تسألني ؟ فقال مستصغراً : أو ما ترى ما فعلت بمشايخك ؟ فقلت : دع هذا واسألني أو أسألك فقال : أليس قد ثبتت نبوة موسى وصحت دلائله ؟ اتقر بهذا أم تجحده ؟ فقلت له : سألتني عن نبوة موسى وهذا على أمرين : أحدهما موسى الذي أخبر عن نبوة محمد وبشر به وأمر باتباعه فإن كنت سألتني عن نبوة هذا فأنا أقر به وهو نبي والثاني موسى الذي لم يخبر عن نبوة محمد ولا بشر به ولا أمر باتباعه فلا أقر به ولا أعرفه فإنه شيطان فتحير اليهودي ثم قال لي : ما تقول في التوراة ؟ فقلت : هي أيضاً منقسمة إلى قسمين : توراة فيها ذكر النبي محمد A والبشارة به والأمر باتباعه فهي التوراة الحق المنزلة وتوراة ليس فيها ذكر محمد A ولا البشارة به فهي باطلة لا أصدق بها فتحير اليهودي وانقطع ثم قال لي : أريد أسارك في شيء فتقدمت إليه فإذا هو يشتمني ويشتم معلمي وأبوي وظن أني أرد عليه وأضاربه بحضرة الناس فيقول إنهم تغلبوا علي فقلت للجماعة ما قال وعرفتهم ما أراد فأخذته الأيدي بالنعال فخرج هارباً من البصرة . ولد أبو الهذيل سنة خمس وثلاثين ومائة ومات سنة خمس وثلاثين ومائتين فعمر مائة عام فقيل توفي سنة تسع وثلاثين ومائتين وقال المسعودي في مروج الذهب : إنه توفي سنة سبع وعشرين ومائتين وكان قد كف بصره وخرف آخر عمره إلا أنه لا يذهب عليه شيء من الأصول لكنه ضعف عن المناظرة ومحاجة المخالفين له حكي عنه أنه لقي صالح ابن عبد القدوس وقد مات له ولد وهو شديد الجزع عليه فقال له أبو الهذيل : لا أرى لجزعك عليه وجهاً إذ كان الإنسان عندك كالزرع فقال صالح : يا أبا الهذيل إنما أجزع عليه لأنه لم يقرأ كتاب الشكوك فقال : وما كتاب الشكوك ؟ قال : كتاب وضعته من قرأه يشك فيما كان حتى يتوهم أنه لم يكن ويشك فيما لم يكن حتى يتوهم أنه كان فقال له أبو الهذيل : فشك أنت في موته واعمل على أنه لم يمت وشك في قراءته الكتاب واعمل على أنه قرأه وإن لم يكن قرأه فأخجله وقيل إنما قال ذلك ابن أخته إبراهيم النظام وهو الصحيح ولأبي الهذيل كتاب يعرف بميلاس وكان ميلاس هذا مجوسياً جمع بين أبي الهذيل وبين جماعة من الثنوية فقطعهم أبو الهذيل فأسلم ميلاس عند ذلك .
المهدي الأموي