قلت ليس بن الثالث وما قبله علاقة وإنما الجناس اضطره إلى ذلك ولما مات الوزير عون الدين اعتقل العماد في جملة من اعتقل لإنه كان ينوب عنه في نظر واسط فكتب إلى عماد الدين ابن رئيس الرؤساء استاذ دار المستنجد بالله أمير المؤمنين : .
قل للإمام علام حبس وليكم ... أولوا جميلكم جميل ولايه .
أو ليس إذ حبس الغمام وليه ... خلى أبوك سبيله بدعايه .
وهذا المعنى في غاية الحسن لإنه أشار إلى قصة العباس في الاستسقاء ودعاء عمر ابن الخطاب Bه بالعباس فامطروا وكان إذا دخل عليه من يعوده في مرضه ينشد : .
أنا ضيف بربعكم ... أين أين المضيف .
أنكرتني معارفي ... مات من كنت أعرف .
قال شمس الدين محمود المروزي : كنت بحضرة القاضي الفاضل C وكان العماد الكاتب حاضراً عنده فلما انفصل قال الفاضل للجماعة : بم تشبهون العماد وكان عنده فترة عظيمة وجمود في النظر والكلام فإذا أخذ القلم أتى بالنثر والنظم فكلهم شبهه بشيء فقال ما أصبتم هو كالزناد ظاهره بارد وباطنه فيه نار ومن شعر العماد الكاتب : .
اقنع ولا تطمع فإن الفتى ... كما له في عزة النفس .
وإنما ينقص بدر الدجى ... لأخذه النور من الشمس .
ومن أيضاً : .
أبصرني مبلبلاً ... في الغرام ممتحن .
فقال من قاتله ... قلت له قائل الناس .
أخذه من قول الأول وهو مشهور : .
قالت لترب معها منكرة ... لوقفتي هذا الذي نراه من .
قالت فتى يشكو الهوى متيماً ... قالت بمن قالت بمن قالت بمن .
ومنه قول أبي الطيب : .
قالت وقد رأت اصفراري من به ... وتنهدت فأجبتها المتنهد .
ومن شعر العماد : .
وما هذه الأيام إلا صحائف ... نورخ فيها ثم تمحي وتمحق .
ولم أر في دهري كدائرة المنى ... توسعها الآمال والعمر ضيق .
وصنف البرق الشامي وهو مجموع تاريخ بدأ فيه بذكر نفسه واتصاله بخدمة نور الدين وصلاح الدين وسماه بذلك لإنه شبه تلك الأيام لطيبتها وسرعتها بالبرق وهو في سبع مجلدات والفتح القدسي ويقال إنه لما عرضه على الفاضل قال سمه الفتح القسي في الفتح القدسي قلت ولو قال الفتح القدسي في الفتح القدسي لكان أحسن لأن رسول الله A قال لحسان : روح القدس ينفث في روعك ونصرة الفترة وعصرة القطرة تاريخ الدولة السلجوقية والبرق الشامي في أخبار صلاح الدين وفتوحه وأحواله وحوادث الشام في أيامه وكتاب خطفة البارق وعطفة الشارق وكتاب عتب الزمان في عقبى الحدثان وأخبار الملوك السلجوقية ونحلة الرحلة وحلية العطلة وخريدة القصر وجريدة العصر والذيل عليها ورأيتها بخطه ويقال إنه لما فرغ منها جهزها إلى القاضي الفاضل في ثمانية اجزاء فلما وقف عليها ما أعجبته وقال أين الآخران لأنه قال خرىده يعني خرى عشرة لأن ده بالعجمي عشرة ومن هنا أخذ ابن سناء الملك قوله فيها : .
خريدة أفية من نتنها ... كأنها من بعض أنفاسه .
فنصفها الأول في دقنه ... ونصفها الآخر في رأسه .
ورأيت مكاتبات القاضي الفاضل إليه جزءاً والعماد C طويل النفس في رسايله وقصائده وله ديوان دو بيت ولما التقى العماد الفاضل على حمص مدحه بقصيدة فدخل على صلاح الدين وقال له غداً تأتيك تراجم الأعاجم وما يحلها مثل العماد فقال له مالي عنك مندوحة أنت كاتبي ووزيري ورأيت على وجهك البركة فإذا استكتبت غيرك تحدث الناس فقال هذا يحل التراجم وربما أغيب أنا فإذا غبت قام مقامي وقد عرفت فضله وخدمته لنور الدين فاستخدمه .
عز الدين ابن القيسراني محمد بن محمد بن خالد .
ابن محمد بن نصر بن صغير بن داعر عز الدين أبو حامد المخزومي الحلبي ابن القيسراني الكاتب المشهور مولده بحلب الحادي والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة إحدى وتسعين وخمس مائة سمع بحلب من ابن طبرزد وحدث عنه وتقدم عند الملك الناصر صلاح الدين الصغير وخدمه مدة وولاه نظر دواوين الشام ووزر لهن وكان رئيساً مبجلاً مقدماً سليم الصدر دمث الأخلاق حسن الظن بالفقراء والصلحاء توفي بدمشق في تاسع عشرين شهر رمضان سنة ست وخمسين وست مائة ودفن بجبل قاسيون