إبراهيم بن السري بن سهل أبو إسحاق الزجاج النحوي قال الخطيب : كان من أهل الدين والفضل حسن الاعتقاد جميل المذهب وله مصنفات حسان في الأدب توفي سنة إحدى عشرة وثلاث مائة وهو أستاذ أبي علي الفارسي قال : كنت أخرط الزجاج فاشتهيت النحو فلزمت المبرد وكان لا يعلم إلا بأجرة فقال لي : أي شيء صناعتك ؟ قلت : أخرط الزجاج وكسبي كل يوم درهم ودانقان أو درهم ونصف وأريد أن تبالغ في تعليمي وأنا أعطيك كل يوم درهماً وألتزم بذلك أبداً إلى أن يفرق الموت بيننا استغنيت عن التعليم أو احتجت إليه فكان ينصحني في التعليم حتى استقللت وأنا أعطيه الدرهم كل يوم فجاءه كتاب من بعض بني مارقة من الصراة يلتمسون نحوياً لأولادهم فقلت له : أسمني لهم فأسماني فخرجت فكنت أعلمهم وأنفذ إليه كل شهر ثلاثين درهماً وأزيده ما أقدر عليه ومضت مدة فطلب منه عبيد الله بن سليمان مؤدباً لابنه القاسم فقال : لا أعرف إلا رجلاً زجاجاً بالصراة مع بني مارقة فكتب إليهم فأحضرني وأسلم إلي القاسم فكان ذلك سبب غنائي فكنت أعطي المبرد ذلك الدرهم إلى أن مات ولا أخليه من التفقد بحسب طاقتي فكنت أقول للقاسم بن عبيد الله : إن بلغك الله الوزارة ماذا تصنع بي ؟ فيقول : ما أحببت فأقول له : تعطيني عشرين ألف دينار وكانت غاية أمنيتين فلما ولي القاسم الوزارة وأنا نديمة وملازمة هبته أن أذكره فلما كان اليوم الثالث من وزارته قال لي : يا أبا إسحاق لم أرك تذكرني بالنذر فقلت : عولت على رعاية الوزير فقال لي : إنه المعتضد ولولاه ما تعاظمني دفع ذلك إليك في مكان واحد ولكني أخاف أن يصير لي معه حديث في ذلك فاسمح بأخذه متفرقاً فقلت : يا سيدي أفعل فقال : اجلس للناس وخذ رقاعهم في الحوائج الكبار واستعجل عليها ولا تمتنع من مسألتي شيئاً تخاطب فيه صحيحاً كان أو محالاً إلى أن تحصل لك مال النذر فكنت أعرض عليه كل يوم رقاعاً فيوقع لي فيها وربما قال : كم ضمن لك على هذا ؟ فأقول : كذا وكذا فيقول : غبنت هذا يساوي كذا وكذا ارجع فاستزد فأراجع القوم ولا أزال أماكسهم حتى أبلغ الحد الذي رسمه فحصل عندي عشرون ألف دينار وأكثر في مديدة فقال لي بعد شهور : يا أبا إسحاق حصل مال الذر ؟ فقلت : لا فسكت وكنت أعرض عليه ويسألني في كل شهر ونحوه : حصل المال ؟ فأقول : لا خوفاً من انقطاع الكسب إلى أن حصل لي ضعف ذلك فسألني يوماً فاستحييت من الكذب المتصل فقلت : قد حصل ذلك ببركة الوزير فقال : فرجت والله عني وقد كنت مشغول القلب إلى أن يحصل لك ثم وقع لي إلى خازنه بثلاثة آلاف دينار صلة فأخذتها وامتنعت عن أن أعرض عليه شيئاً فلما كتم من الغد جئت وجلست على رسمي فأومأ إلي أن هات ما معك ! .
فقلت : ما أخذت من أحد شيئاً لأن النذر حصل فقال : يا سبحان الله أتراني أقطع عنك شيئاً قد صار لك عادة وعلمه الناس وصارت لك به وجاهة ومنزلة وللناس غدو ورواح إلى بابك ولا يعلم السبب فيظن ذلك لضعف جاهك عندي اعرض علي على رسمك وخذ بلا حساب فقبلت يده وباكرت إليه بالرقاع ولم أزل كذلك إلى أن مات .
ومن تصانيف الزجاج : المؤاخذات على الفصيح لثعلب كتاب الاشتقاق كتاب القوافي كتاب العروض كتاب الفرق كتاب خلق الإنسان كتاب خلق الفرس كتاب مختصر في النحو كتاب فعلت وأفعلت كتاب ما ينصرف وما لا ينصرف كتاب شرح أبيات سيبويه كتاب النوادر كتاب معاني القرآن وكتاب ما فسر من جامع المنطق كتاب الأنواء وقال ياقوت الحموي : قال ابن بشران : كان أبو إسحاق الزجاج ينزل بالجانب الغربي من بغداذ بالموضع المعروف بالدويرة وأنشدت له : .
قعودي لا يرد الرزق عني ... ولا يدنيه إن لم يقض شيُّ .
قعدت فقد أتاني في قعودي ... وسرت فعافني والسير لي .
فلما أن رأيت القصد أدنى ... إلى رشدي وأن الحرص غي .
تركت لمدلج دلج الليالي ... ولي ظل أعيش به وفي .
وقد ذكر ياقوت في تاريخ الأدباء له سبب اتصال الزجاج فيما بعد المعتضد .
ابن سعدان المؤدب