فلما بلغه البيتان أمسك عنه واعتذر منه ومات وقد سد عليه باب الفكرة فيه ولم يصنع شيئاً توفي سنة ثلاث عشرة وأربع مائة كذا ذكره الشيخ شمس الدين وقال ابن خلكان : قال ابن بسام : بلغني أنه توفي سنة ثلاث وخمسين وأربع مائة . وذكر القاضي الرشيد ابن الزبير في كتاب الجنان : أن الحصري ألف كتاب زهر الآداب سنة خمسين وأربع مائة وهذا يدل على صحة ما قاله ابن بسام . ثم إن الشيخ شمس الدين ذكر وفاة المذكور في سنة ثلاث وخمسين وأربع مائة . وقال ياقوت : قال ابن رشيق : مات بالمنصورة من القيروان سنة ثلاث عشرة وأربع مائة . ومن شعره أيضاً : .
يا هل بكيت كما بكت ... ورق الحمائم في الغصون .
هتفت سحيراً والربى ... للقطر رافعة الجفون .
فكأنها صاغت على ... شجوي شجى تلك اللحون .
ذكرني عهداً مضى ... للأنس منقطع القرين .
أبو إسحاق الشيرازي الشافعي .
إبراهيم بن علي بن يوسف الشيخ أبو إسحاق الشيرازي الفيروزابادي شيخ الشافعية في زمانه لقبه جمال الدين . تفقه بشيراز على أبي عبد الله البيضاوي وعلى أبي أحمد عبد الوهاب بن رامين وقدم البصرة فأخذ عن الجزري ودخل بغداذ في شوال سنة خمس عشرة وأربع مائة فلازم القاضي أبا الطيب وصحبه وبرع في الفقه حتى ناب عن ابن الطيب ورتبه معيداً في حلقته وصار أنظر أهل زمانه وكان يضرب به المثل في الفصاحة .
وسمع من أبي علي ابن شاذان وأبي الفرج محمد بن عبيد الله الخرجوشي وأبي بكر اليرقاني وغيرهم وحدث ببغداذ همذان ونيسابور . روى عنه أبو بكر الخطيب وأبو الوليد الباجي والحميدي وجماعة . حكى عنه أنه قال : كنت نائماً ببغداذ فرأيت النبي A ومعه أبو بكر وعمر فقلت : يا رسول الله بلغني عنك أحاديث كثيرة عن ناقلي الأخبار فأريد أن أسمع منك خبراً أتشرف به في الدنيا وأجعله ذخيرة للآخرة فقال : يا شيخ وسماني يا شيخ وخاطبني به - وكان يفرح بهذا - ثم قال : قل عني من أراد السلامة فليطلبها في سلامة غيره رواها السمعاني عن أبي القاسم حيدر بن محمود الشيرازي بمرو وأنه سمع ذلك من أبي إسحاق . صنف المهذب . والتنبيه . يقال إن فيه اثنتي عشرة ألف مسألة ما وضع فيه مسألة حتى توضأ وصلى ركعتين وسأل الله أن ينفع المشتغل به وقيل ذلك إنما هو في المهذب وصنف اللمع في أصول الفقه . وشرح اللمع . والمعونة في الجدل . والملخص في أصول الفقه . وكان في غاية من الدين والروع والتشدد في الدين . ولما بنى نظام الملك المدرسة النظامية ببغداذ سأله أن يتولاها فلم يفعل فولاها لأبي نصر بن الصباغ صاحب الشامل مدة يسيرة ثم أجاب إلى ذلك فتولاها ولم يزل بها إلى أن مات ليلة الأحد الحادي والعشرين من جمادى الآخرة وقيل الأولى سنة ست وسبعين وأربع مائة ببغداذ ودفن من الغد بباب أبرز ومولده بفيروزاباد سنة ثلاث وتسعين وثلاث مائة ورثاه أبو القاسم بن ناقيا بقوله : .
أجرى المدامع بالدم المهراق ... خطب أقام قيامة الآماق .
ما لليالي لا تؤلف شملها ... بعد ابن بجدتها أبي إسحاق .
وكان ببغداذ شاعر يقال له عاصم قال فيه : .
تراه من الذكاء نحيف جسم ... عليه من توقده دليل .
إذا كان الفتى ضخم المعالي ... فليس يضره الجسم النحيل .
وكان إذا أخطأ أحد بين يديه قال : أي سكتة فاتتك ! .
وإذا تكلم في مسألة وسأل السائل سؤالاً غير متوجه قال : .
سارت مشرقة وسرت مغرباً ... شتان بين مشرق ومغرب .
وأورد له محب الدين ابن النجار قوله : .
إذا تخلفت عن صديق ... ولم يعاتبك في التخلف .
فلا تعد بعدها إليه ... فإنما وده تكلف .
وأورد له أيضاً : .
قصر النهار وشدة البرد ... قد حال دون لقاء ذي الود .
فاعذر صديقاً في تأخره ... حتى يجيئك أول الورد .
وقال : أخبرني محمد بن محمود الشذباني بهراة قال : أنشدنا أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني قال : أنشدنا أبو الحسن علي بن أحمد الإصطخري أنشدنا أبو علي الحسن بن إبراهيم الفارقي قال : أنشدنا أبو إسحاق الشيرازي لنفسه : .
لقد جاءنا برد وورد كلاهما ... فيحمل هذا البرد من جهة الورد