رأيت جفون الريح والليل إثمد ... يقلب من جمر الجذاء أعيناً رمدا .
قال ابن خفاجة : ذهبت يوماً أريد باب السمارين بشاطبة ابتغاء للفرجة على جرية ذلك الماء بتلك الساقية وإذا الفقيه أبو عمران ابن أبي تليد C قد سبقني إلى ذلك فألفيته جالساً على مصطبة كانت هناك مبنية لهذا الشأن فسلمت عليه فأنشد أثناء ما تناشدناه قول ابن رشيق C تعالى : .
يا من يمر ولا تم ... ربه القلوب من الحرق .
بعمامة من خده ... أو خده منها سرق .
فكأنه وكأنها ... قمر تعمم بالشفق .
فإذا بدا وإذا مشى ... وإذا رنا وإذا نطق .
شغل الجوارح ولاجوا ... نح والخواطر والحدق .
واستحسنها فقلت : أخل لأن النطق لا يشغل الحدق ونظمت قولي : .
ومهفهف طاوي الحشا ... خنث المعاطف والنظر .
ملأ العيون بصورة ... تليت محاسنها سور .
فإذا رنا وإذا شدا ... وإذا سعى وإذا سفر .
فضح المدامة والحما ... مة والغمامة والقمر .
وقال ابن خفاجة أيضاً : .
وعشي أنس أضجعتني نشوة ... فيه تمهد مضجعي وتدمث .
خلعت علي بها الأراكة ظلها ... والغصن يصغي والحمام يحدث .
والشمس تجنح للغروب مريضةً ... والرعد يرقي والغمامة تنفث .
وقال يهجو سوداء : .
وسويداء قسم القبح فيها ... بين وجه جهم وجسم قضيف .
أقبلت في معصفر سحبته ... وهي متفال وهو غير نظيف .
فتأملت منه نطفة حيض ... غرقت فيه خنفساء كنيف .
وقال في فرس أشقر : .
وأشقر تضرم منه الوغى ... بشعلة من شعل الباس .
من جلنار ناضر لونه ... وأذنه من ورق الآس .
يطلع للغرة في وجهه ... حبابةً تضحك في الكاس .
وقال في أحدب أسود يسقي : .
وكأس أنس قد جلتها المنى ... فباتت النفس بها معرسه .
طاف بها أسود محدودب ... يطرب من لهو به مجلسه .
فخلته من سبج ربوةً ... قد أنبتت من ذهب نرجسه .
وقال في غلام مليح بين يديه نارنج : .
ويوم تقضى بين كاس ومسمع ... يحض إليها أو تهز إليه .
تطلع بدر التم في وسط دسته ... فخرت نجوم الأفق بين يديه .
وقال : .
لله نورية المحيا ... تحمل نارية الحميا .
والدوح لدن المهز رطب ... قد رف ريا وطاب ريا .
تجسم النور فيه نوراً ... فكل غصن به ثريا .
وقال في أسود يسبح : .
وأسود عن لنا سابح ... في لجة تطفح بيضاء .
وإنما لاح بها ناظر ... في مقلة تنظر زرقاء .
وقال : .
والليل قد ولى يقرض برده ... كداً ويسحب ذيله في المغرب .
وكأنما نجم الثريا سحرةً ... كف تمسح عن معاطف أشهب .
وقال يصف البرد : .
والأرض تضحك عن قلائد أنجم ... نثرت بها والجو جهم قاطب .
وكأنما زنت البسيطة تحته ... وأكب يرجمها الغمام الحاصب .
وقال يصف شجرة متهدلة : .
ولدته المعطفين ناعمةٍ ... تمسح ريح الصبا جوانبها .
كأنها والرياح تعطفها ... راقصة أسلت ذوائبها .
وقال : .
ومجاجة لزجاجة عاطيتها ... فرميت شيطان الأسى بشهاب .
وكأنما كرة البسيطة بيضة ... والليل يلحفها جناح غراب .
وقال يذم خطا ردياً : .
قواف أتتني عنك تحكيك خسةً ... فلو كن أعضاء لكن مخارجا .
معوجة أسطارها وحروفها ... كأن بها من برد لفظك فالجا .
وكان يوماً في مجلس عند بعض إخوانه وفيه عنب ورمان وبينهم فتى يتهم بحالة ففضل العنب على الرمان فقال ابن خفاجة : .
صلني لك الخير برمانةٍ ... لم تنتقل عن كرم العهد .
لا عنب أمتص عنقوده ... ثدياً كأني بعد في المهد .
وهل يرى بينهما نسبة ... من عدل الخصية بالنهد .
فأخجل الفتى وصحت التهمة وقال في اقتران الثريا بالهلال :