أبرنس الكرك قيل اسمه أرناط كان أخبث الفرنج وأشرهم وأغدرهم قطع الطريق على قافلة جاءت من مصر إلى الشام وفيها خلق كثير ومال عظيم فاستولى على الجميع قتلاً وأسراً ونهباً فأرسل إليه السلطان صلاح الدين يوبخه على فعله ويقول : أين العهود رد ما أخذت فلم يلتفت وشن الغارات على المسلمين وفتك فيهم فنذر السلطان دمه وكانت فعلته هذه في سنة اثنتين وثمانين وخمس مائة فلما كانت وقعة حطين سنة ثلاث وثمانين وخمس مائة وكانوا قد خرجوا من عكا ولم يترك الفرنج محتلماً وراءهم - فيقال إنهم كانوا في ثمانين ألف ومائتين فارس وراجل - فنزلوا صفورية وتقدم السلطان إلى طبرية وكان في اثني عشر ألف فارس وأما الرجالة فكثيرة ونصب المجانيق على طبرية ونقب أسوارها وفتحها يوم الخميس رابع عشر شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وثمانين وامتنعت القلعة عليه وبها زوجة القمس ومقدم الفرنج فنزل لوبية عند طلوع الشمس وملك المسلمون عليهم الماء وكان يوماً حاراً والتهب عليهم وأضرم مظفر الدين النار في الزرع وباتوا طول الليل والمسلمون حولهم فلما طلع الفجر يوم السبت قاتلوا إلى الظهر وصعدوا إلى تل حطين والنار تضرم حولهم فهلكوا وتساقطوا من التل وكان القومص معهم فحمل وفتح له السلطان درباً فصعد إلى صفد وعملت سيوف المسلمين في الفرنج قتلاً وأسر من الملوك كي وأخوه جفري وأبرنس الكرك والهنفري وصاحب جبيل وبيروت وصيدا ومقدم الداوية والأسبتار وغيرهم وجيء إلى السلطان بصليب الصلبوت وهو مرصع بالجواهر واليواقيت في غلاف من ذهب . ولما سيق الملوك أسرى إلى بين يدي السلطان نزل وسجد وباس الأرض شكراً وجاء إلى خيمة واستدعاهم فأجلس الملوك عن يمينه وأبرنس الكرك إلى جانبه ونظر السلطان إلى الملك وهو يلتفت يتلهب عطشاً فأمر له بقدح من ثلج وماء فشربه وسقى الأبرنس فقال له السلطان : ما أذنت لك في سقيه وكان قد نذر أن يقتله بيده فقال له : يا ملعون يا غدار حلفت وغدرت ونكثت وجعل يعدد عليه غدراته ثم قام إليه فضربه بالسيف فحل كتفه وتممه المماليك فقطعوا رأسه وأطعموا جثته للكلاب فلما رآه الملك قتيلاً خاف وطار عقله فأمنه السلطان وقال : هذا غدار كذاب غدر غير مرة ثم إن السلطان عرض الإسلام على الداوية والاسبتار فمن أسلم منهم استبقاه ومن لم يسلم قتله فقتل خلقاً عظيماً وبعث بباقي الملوك والأسارى إلى دمشق وذلك سنة ثلاث وثمانين وخمس مائة .
العماني المجوسي .
أبزون بن مهبرد العماني أبو علي الكافي المجوسي قال محمد بن أحمد المعروف بابن الحاجب : كنت قبل حصولي بعمان أسمع بشعر الكافي أبي علي وتمر بي القصيدة بعد القصيدة وكنت أفرط إعجابي بمن يرويها لي عن مؤلفها فتكون النفس بحفظها أنشط والفكرة على ضبطها أحرص لسلامتها من تصحيف يقع فيها فقصدته فلما اجتمعت معه لم أتمكن من مجالسته فوجدته غير معجب بشعر نفسه على عادة أبناء جنسه وأنشد له : .
هل في مودة ناكث من راغب ... أم هل على فقدانها من نادب .
أم هل يفيدك أن تعاتب مولعاً ... يتتبع العثرات غير مراقب .
جعل اعتراضك للسفاهة ديدناً ... والذئب ديدنه اعتراض الراكب .
منها : .
إن الفتوة علمتني شيمةً ... تهدي الضياء إلى الشهاب الثاقب .
ما زال يسلب كل من حمل الظبي ... قلمي وأحداق الظباء سوالبي .
فهو التصرف والتصرف في الهوى ... دفنا شبابي في العذار الشائب .
فتظلمي من ناظرٍ أو ناظرٍ ... وتألمي من حاجب أو حاجب .
وقبلت عذر بني الزمان لأنهم ... سلكوا طريق بني الزمان الذاهب .
جبلوا على رفض الوفاء لغيرهم ... وتمسكوا بالغدر ضربة لازب .
ومن شعره : .
ألزم جفاءك بي ولو فيه الضنا ... وارفع حديث البين عما بيننا .
فسموم هجرك في هواجره الأذى ... ونسيم وصلك في أصايله المنى .
لي التلون من إمارات الرضى ... لكن إذا مل الحبيب تلونا .
تبدي الإساءة في التيقظ عامداً ... وأراك تحسن في الكرى أن تحسنا .
ما لي إذا استعطفت رأيك رمت لي ... عبتاً جديداً من هناك ومن هنا .
ومنه :