أبو طالب الوزير المدبر مؤيد الدين ابن العلقمي البغدادي الرافضي وزير المستعصم ولي الوزارة أربع عشرة سنة فأظهر الرفض قليلاً وكان وزيراً كافياً خبيراً بدبير الملك ولم يزل ناصحاً لأستاذه حتى وقع بينه وبين الدوادار لإنه كان يتغالى في السنة وعضده ابن الخليفة فحصل عنده من الضغن ما أوجب له أنه سعى في دمار الإسلام وخراب بغداد على ما هو مشهور لأنه ضعف جانبه وقويت شوكة الدوادار بحاشية الخليفة حتى قال في شعره .
وزير رضى من بأسه وانتقامه ... بطيّ رقاع حشوها النظم والنثر .
كما تسج الورقاء وهي حمامة ... وليس لها نهى يطاع ولا أمر .
واخذ يكاتب التتار إلى أن جرّ هولاكو وجرّأه على أخذ بغداد وقررّ مع هولاكو أمورا انعكست عليه وندم حيث لا ينفعه الندم وكان كثيرا ما يقول عند ذلك .
وجرى القضاء بعكس ماامّلته .
لأنه عوامل بأنواع الهوان من أراذل التتار والمرتدة حكى أنه كان في الديوان جالسا فدخل بعض التتار ممن لا له وجاهة راكبا فرسه فساق إلى أن وقف بفرسه على بساط الوزير وخاطبه بما أراد وبال الفرس على البساط وأصاب الرشاش ثياب الوزير وه وهو صابر لهذا الهوان يظهر قوة النفس وأنه بلغ مراده وقال له بعض أهل بغداد يا مولانا أنت فعلت هذا جميعه وحميت الشيعة حمية لهم وقد قتل من الأشراف الفاطميين خلق لا يحصون وارتكب من الفواحش من نسائهم وافتضت بناتهم الأبكار مما لا يعلمه إلا الله تعالى فقال بعد أن قتل الدوادار ومنكان على مثل رأيه لا مبالاة بذلك ولم تطل مذته حتى مات غما وغبنا في أوائل سنة سبع وخمسين وست مائة مولده في شهر ربيع الأول سنة إحدى وتسعين وخمس مائة بعث إليه المستعصم بالله شدّة أقلام فكتب إليه قبل الملوك الأرض شكرا للأنعام عليه بأقلام قلّمت أظفار الحدثان وقامت له في حرب الزمان مقام عوالى المرّان وأجنته ثمار الأوطار من أغصانها وحازت له قصبات المفاخر يوم رهانها فيا لله كم عقد ذمام في عقدها وكم بحر سعادة أصبح جاريا من مدادها ومددها وكم متأوّد خطّ استقام بمثقفاتها وكم صوارم فلّت مضاربها بمطرور من مرهفاتها .
لم يبق لي أملا إلا وقد بلغت ... نفسي أقاصيه برّا وأنغاما .
لأفتحن بها والله يقدر لي ... مصاعبا أعجزت من قبل بهراما .
تعطي غالأقاليم من لم تبد مسئلة ... له فلا عجب إن يعط أقلاما .
وكان قد طالع المستعصم في شخص من أمرء الجبل يعرف بابن شرفشاه وقال في آخر كلامه وهو مدّبر فوقع المستعصم له .
ولا تساعده أبدا مدّبرا ... وكن مع الله على المدبر .
وكتب ابن العلقمي أبيااً في الجواب منها : .
يا مالكاً أرجو بحبي له ... نيل المنى والفوز في المخسر .
أرشدتني لا زلت لي مرشداً ... وهادياً من رأيك الأنور .
ابنت لي بيت هدى قلته ... عن شرف في بيتك الأطهر .
فضلك فضل ما له منكر ... ليس لضوء الشمس من منكر .
أن يجمع العالم في واحد ... فليس لله بمستنكر .
قلت قلب بيت أبي نواس فجعل عجزه صدراً وهو مشهور واشتغل بالحلة على عميد الرؤساء أيوب وعاد إلى بغداد وأقام عن خاله عضد الدين أبي نصر المبارك ابن الضحاك وكان استاذ الدار ولما قبض على مؤيد القمي وكان استاد الدار فوضت الاستاد دارية إلى شمس الدين ابن الناقد ثم عزل وفوضت الاستاددارية إلى ابن العلقمي قلما توفي المستنثر بالله وولي الخلافة أمير المؤمنين المستعصم وتوفي الوزير نصر الدين ابو الأزخر أحمد بن الناقد وزر ابن العلقمي وكان قد سمع الحديث واشتغل على أبي البقاء العكبري وحكى أنه لما كان يكاتب التتار تحيل مرة إلى أن أخذ رجلاً وحلق رأسه حلقاً بليغاً وكتب ما أراد عليه بوخز الأبر كما يفعل بالوشم ونفض عليه الكحل وتركه عنده إلى أن طلع شعره وغطى ما كتب فجهزه وقال إذا وصلت مرهم بحلق رأسك ودعهم يقرأون ما فيه وكان في آخر الكلام قطعوا الورقة فضربت رقبته وهذا غاية في المكر والخزي والله أعلم .
سعد الدين ابن عربي .
محمد بن محمد بن علي