وعرف المملوك الإشارة إلى هذه السفرة ومتاعبها والطرق ومصاعبها والثلوج التي شابت منها مفارق الجبال والمفاوز التي تهيب المسرى بها طيف الخيال والمرجو من الله تعالى أن تكون العقبى منها مأمونة والسلامة فيها مضمونة وكأن مولانا بالديار وقد دنت وبالراحة وقد أنت والتهاني وقد شرفت بورودها هاتيك الرحاب والرياض وقد أبدت من محاسن حسناتها ما يكفر ذنب السحاب والأنس قد أمسى وهو مجتمع القوى والرحلة وقد ألقت عصاها واستقرت بها النوى .
قلت : وانظر إلى هذا السجع المصقول والقرائن التي تمكنت قوافيها واطمأنت وهذا الإنشاء وما فيه من المنظوم وإيراده هذه الأبيات في أماكنها التي كأنها لم تقل إلا في هذا الموطن وتأمل هذه الفقر كيف يغلب الوزن على أكثرها وهذه غاية المنشئ البليغ وليس وراء هذه غاية ولكنه كانت وريته جيدة وليس له بديهة فهو يبطئ ولا يخطئ وقد تقدم ذكره في ترجمة فخر الدين ابن لقمان وكان تاج الدين ممن كتب للناصر ابن العزيز صاحب الشام كتب له كتاباً إلى هولاكو على يد ولده وقد جهزه بتحف إلى أردو هولاكو وكان كتاباً حسناً جاء فيه عند ذكر الوليد ما قال الشاعر : .
يجود بالنفس إن ضن الجواد بها ... والجود بالنفس أقصى غاية الجود .
فلما عرضه على الناصر قال : هذا حسن وقلت هاهنا ما قاله ابن حمدان : .
فدى نفسه بابن عليه كنفسه ... وفي الشدة الصماء تفنى الذخائر .
وقد يقطع العضو النفيس لغيره ... وتدحر بالأمر الكبير الكبائر .
فأقر له بالإحسان .
المقرئ الطرابلسي .
أحمد بن سعيد بن أحمد بن نفيس المقرئ أصله من طرابلس الغرب انتقلت إليه رياسة الإقراء بمصر وفاق قراء الأمصار بعلو الإسناد وتوفي سنة ثلاث وخمسين وأربع مائة .
ابن سلام .
أحمد بن سلام الرضائي هو القائل في تفضيل المبرد على ثعلب : .
رأيت محمد بن زيد يسمو ... إلى العلياء في جاه وقدر .
جليس خلائف وغذي ملك ... وأعلم من رأيت بكل أمر .
وشبابية الظرفاء فيه ... وأبهة الكبير بغير كبر .
وقالوا : ثعلب رجل عليم ... وأين النجم من شمس وبدر .
وقالوا : ثعلب يملي ويفتي ... وأين الثعلبان من الهزبر .
قال المرزباني : رواها محمد بن داود له وقد رويت لغيره وهي أكثر من هذا وغير محمد بن داود يرويها لأحمد بن عبد السلام .
ابن الرطبي .
أحمد بن سلامة بن عبيد الله بن مخلد بن إبراهيم بن مخلد البجلي الكرخي أبو العباس المعروف بابن الرطبي أصله من كرخ جدان وهو أحد من يضرب به المثل في الخلاف والنظر قرأ الفقه على ابن الصباغ وعلى الشيخ أبي إسحاق الشيرازي رحل إلى أصبهان وقرأ على محمد بن ثابت الخجندي ثم رجع إلى بغداذ وصار بها من الأئمة المشار إليهم في علم النظر والتحقيق وعليه درجة واستخلفه قاضي القضاة محمد بن علي بن محمد الدامغاني على قضاء الحريم ثم ولي الحسبة ببغداذ بعد وفاة أخيه أبي محمد عبد الله ثم استنابه قاضي القضاة دجيلاً مضافاً إلى ذلك وجرت أموره في ذلك على السداد وكان كثير الفضل وافر العقل حسن السمت سمع ببغداذ علي بن أحمد البسري ومحمداً وطراداً ابني محمد بن علي الزينبي ومالك بن أحمد البانياسي وقاضي القضاة محمد بن علي الدامغاني والشيخ أبا إسحاق الشيرازي وابن الصباغ وجماعة ببغداذ وأصبهان وخرجت له فوائد عن شيوخه وسمعها منه جماعة من الأكابر وروى عنه ابن بوش وغيره ونظر في أمر ترب الخلفاء وصلى على الإمام المسترشد وأدب ولده الراشد ولد سنة ستين وأربع مائة وتوفي سنة سبع وعشرين وخمس مائة .
المسند أبو العباس ابن أبي الخير