منها : حنانيك بلغ السيل الزبى ونالني ما حسبي به وكفى وما أراني إلا لو أمرت بالسجود لآدم فأبيت واستكبرت وقال لي نوح " اركب معنا " فقلت " سآوي إلى جبلٍ يعصمني من الماء " وأمرت ببناء الصرح لعلي أطّلع إلى إله موسى وعكفت على العجل واعتديت في السبت وتعاطيت فعقرت الناقة وشربت من النهر الذي ابتلي به جنود طالوت وقدّمت الفيل لأبرهة وعاهدت قريشاً على ما في الصحيفة وتأولت في بيعة العقبة ونفرت إلى العير ببدر واعتزلت بثلث الناس يوم أحد وتخلفت عن صلاة العصر في بني قريظة وجئت بالإفك على عائشة وأنفت من إمارة أسامة وزعمت أن إمارة أبي بكر فلتة وروّيت رمحي من كتيبة خالد ومزقت الأديم الذي بارك الله فيه وضحيت بالأشمط الذي عنوان السجود به وبذلك لقطام : .
ثلاثة آلاف وعبداً وقينة ... وضرب عليٍّ بالحسام المسمم .
وكتبت إلى عمر بن سعد أن جعجع بالحسين وتمثلت عندما بلغني من وقعة الحرة : .
ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا ... جزع الخزرج من وقع الأسل .
ورجمت الكعبة وصلبت العائذ بها على الثنية لكان فيما جرى عليّ ما يحتمل أن يسمى نكالاً ويدعى ولو على المجاز عقاباً : .
وحسبك من حادثٍ بامرئٍ ... ترى حاسديه له راحمينا .
هذا جزء منها وكلها في غاية الحسن من هذا النمط وختمها بقصيدة أولها : .
الهوى في طلوع تلك النجوم ... والمنى في هبوب ذاك النسيم .
سرّنا عيشنا الرقيق الحواشي ... لو يدوم السرور للمستديم .
وقد أثبت هذه الرسالة بكمالها مع القصيدة ابن ظافر في " نفائس الذخيرة " . وما أجدت هذه الرسالة عليه شيئاً فلما أعياه الخطب هرب من محبسه واتصل بابن عباد وكتب إلى بعض أصدقائه رسالةً يعتذر فيها من هروبه من السجن في غاية الحسن . وله الرسالة التي كتبها على لسان ولادة بنت المستكفي إلى الوزير أبي عامر ابن عبدوس يتهكم به فيها ووجد مكان القول ذا سعة وتلعّب فيها بأطراف الكلام وأجاد فيها ما شاء وكل رسائله مشحونة بفنون الأدب ولمع التواريخ والأمثال من كلام العرب نثراً ونظماً وأنت ترى هذا السحر كيف يخدعك ويهز عطفك وليس فيه سجع تروّجه القوافي على النفوس ولكن هذه القدرة على البلاغة . قال بعض الوزراء بإشبيلية : عهدي بأبي الوليد ابن زيدون قائماً على جنازة بعض حرمه والناس يعزّونه على اختلاف طبقاتهم فما سمعته يجيب أحداً بما أجاب به غيره لسعة ميدانه وحضور جنانه . وله مع ولادة بنت المستكفي أخبار نورد بعضها إن شاء الله تعالى في ترجمتها . ولم يزل عند عباد وابنه المعتمد قائم الجاه وافر الحرم إلى أن توفي بإشبيلية سنة ثلاث وستين وأربع مائة وقال ابن بشكوال : توفي سنة خمس وأربع مائة وكانت وفاته بالبيرة وسيق إلى قرطبة ودفن بها ومولده سنة أربع وخمسين وثلاث مائة . وكان يخضب بالسواد .
وكان له ولد يقال له أبو بكر تولى وزارة المعتمد وقتل يوم أخذ يوسف ابن تاشفين قرطبة من ابن عباد .
ومن شعره أعني أبا الوليد النونية المشهورة التي أولها : .
أضحى التنائي بديلاً عن تدانينا ... وآن من طيب دنيانا تلاقينا .
واشتهرت إلى أن صارت محدودة يقال ما حفظها أحد إلا ومات غريباً . وقال بعض الأدباء : من لبس البياض وتختم بالعقيق بالعقيق وقرأ لأبي عمرو وتفقه للشافعي وروى شعر ابن زيدون فقد استكمل الظرف . وكان يسمى بحتري الغرب لحسن ديباجة نظمه وسهولة معانيه وتمام القصيدة النونية لا بأس بذكره وهو : .
من مبلغ الملبسينا بانتزاحهم ... ثوباً مع الدهر لا يبلى ويبلينا .
أنّ الزمان الذي ما زال يضحكنا ... أنساً بقربهم قد عاد يُبكينا .
بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا ... شوقاً إليكم ولا جفّت مآقينا .
تكاد حين تناجيكم ضمائرنا ... يقضي علينا الأسى لولا تأسيّنا .
حالت لفقدكم أيامنا فغدت ... سوداً وكانت بكم بيضاً ليالينا .
إذ جانب العيش طلقٌ من تألّفنا ... ومورد اللهو صافٍ من تصافينا .
وإذ هصرنا غصون الأنس دانيةً ... قطوفها فاجتنينا منه ماشينا