يكفيك أنك إن حمّلت قلبي ما ... لم تستطعه قلوب الناس يستطع .
ته أحتمل واستطل أصبر وعزَّ أهن ... وولِّ أقبل وقل أسمع ومر أطع .
ومنه أيضاً : .
ألم يأن أن يبكي الغمام على مثلي ... ويطلب ثاري البرق منصلت النصل .
وهلا أقامت أنجم الزهر مأتماً ... لتندب في الآفاق ما ضاع من نبلي .
أمقتولة الأجفان ما لك والهاً ... ألم ترك الأيام نجماً هوى قبلي .
ولله فينا علم غيبٍ وحسبنا ... به عند جور الدهر من حكمٍ عدل .
وفي أم موسى عبرةٌ إذ رمت به ... إلى اليمّ في التابوت فاعتبري واسلي .
ومنه : .
ولقد شكوتك بالضمير إلى الهوى ... ودعوت من حنقٍ عليك فأمّنا .
منيت نفسي من صفاتك ضلّةً ... ولقد تغرّ المرء بارقة المنى .
ومنه : .
إني ذكرتك بالزهراء مشتاقا ... والجوّ طلق ووجه الروض قد راقا .
وللنّسيم اعتلالٌ في أصائله ... كأنه قّ لي فاعتلّ إشفاقا .
والروض عن مائه الفضيّ مبتسمٌ ... كما شققت عن اللبّات أطواقا .
يومٌ كأيام لذاتٍ لنا انصرمت ... بتنا بها حين نام الدهر سراقا .
نلهو بما يستميل العين من زهرٍ ... جال الندى فيه حتى مال أعناقا .
كأنّ أعينه إذ عاينت أرقي ... بكت لما بي فجال الدمع رقراقا .
لا سكن الله قلباً عنّ ذكركم ... ولم يطر بجناح الشوق اخفّاقا .
لو شاء حملي نسيم الريح نحوكم ... وافاكم بفتىً أضناه ما لاقى .
؟ ؟ أبو العلاء المعري .
أحمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن سليمان بن أحمد بن سليمان بن داود بن المطهر بن زياد بن ربيعة بن الحارث بن ربيعة بن أرقم بن أنون بن أسحم بن النعمان ويقال له ساطع الجمال بن عدي بن عبد غطفان بن عمرو بن بريح بن جذيمة بن تيم الله بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة وتيم الله مجتمع تنوخ المعرّي التنوخي من أهل معرة النعمان المشهور صاحب التصانيف المشهورة . كان عجباً في الذكاء المفرط والحافظة . قال أبو سعد السمعاني في كتاب " النسب " ذكر تلميذه أبو زكرياء التبريزي أنه كان قاعداً في مسجده بمعرة النعمان بين يدي أبي العلاء يقرأ شيئاً من تصانيفه قال : وكنت قد أقمت عنده سنين ولم أر أحداً من أهل بلدي فدخل المسجد مغافصةً بعض جيراننا للصلاة فرأيته وعرفته فتغيرت من الفرح فقال لي أبو العلاء : ايش أصابك ؟ فحكيت له أني رأيت جاراً لي بعد أن ألق أحداً من أهل بلدي سنين فقال لي : قم فكلمّه فقلت : حتى أتمم السبق فقال لي : قم أنا أنتظر لك فقمت وكلمته بلسان الأذربية شيئاً كثيراً إلى أن سألت عن كل ما أردت فلما رجعت وقعدت بين يديه قال لي : أي لسان هذا ؟ قلت : هذا لسان أذربيجان فقال لي : ما عرفت اللسان ولا فهمته غير أني حفظت ما قلتما ثم أعاد علي اللفظ بعينه من غير أن ينقص منه أو يزيد عليه جميع ما قلت وقال جاري فتعجبت غاية التعجب كيف حفظ ما لم يفهمه .
قلت : وهذا معجز فإنه بلغنا عن جماعة من الحفاظ وما يحكى عن البديع الهمذاني والأنباري وغير هؤلاء وهو أمر قريب من الإمكان لأن حفظ ما يفهمه الإنسان ويعرف تراكيبه أو مفرداته سهل وأما أنه يحفظ ما لم يسمعه ولا يعلم له مفرداً ولا مركباً وهو أقل ما يكون أربعمائة سطر من سؤال غائب عن أهل بلده سنين وجوابه وللناس حكايات يضعونها في عجائب ذكائه وهي مشهورة أظنها مستحيلة وكان اطلاعه على اللغة وشواهدها أمراً باهراً .
ولد يوم الجمعة عند مغيب الشمس لثلاث بقين من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثلاث مائة بالمعرة وتوفي ليلة الجمعة ثالث وقيل ثاني شهر ربيع الأول وقيل ثالث عشرة سنة تسع وأربعين وأربع مائة وجدّر من السنة الثالثة من عمره فعمي منه وكان يقول : لا أعرف من الألوان إلا الأحمر لأني ألبست في الجدري ثوباً مصبوغاً بالعصفر لا أعقل غير ذلك