قال محب الدين ابن النجار : أخبرنا محمود بن محمد بن الحداد بأصبهان قال أنا الحافظ أبو موسى محمد بن أبي بكر المديني قال سمعت أبا علي الحسن بن إبراهيم بن بقي الأندلسي الجذامي الحافظ وقل من رايت من الحفاظ مثله يقول قال أبو الوليد الباجي : رأيت الحفاظ في ديار الإسلام أربعة أبا ذر عبد بن أحمد والصوري والأرموي وأبا بكر الخطيب وأما الفقهاء فكثير انتهى . وحضر أبو بكر الخطيب درس الشيخ أبي إسحاق الشيرازي فروى الشيخ حديثاً من رواية بحر بن كنيز بالنون والزاء السقاء ثم قال للخطيب : ما تقول فيه ؟ فقال الخطيب : إن أذنت لي ذكرت حاله فأسند الشيخ أبو إسحاق ظهره إلى من الحائظ وقعد مثلما يقعد التلميذ بين يدي الأستاذ يسمع كلام الخطيب وشرع الخطيب في شرح أحواله ويقول : قال فيه فلان كذا وقال فيه فلان كذا وشرح أحواله شرحاً حسناً وما ذكر فيه الأئمة من الجرح والتعديل إلى أن فرغ منه فأثنى الشيخ أبو إسحاق عليه ثناء حسناً وقال : هو دارقطني عهدنا . وكان الخطيب يمشي في الطريق وفي يده جزء يطالعه وربما أعلم على الأحاديث . وتفقه الخطيب على المحاملي وعلى القاضي أبي الطيب . وقال أبو علي البرداني : لعل الخطيب لم ير مثل نفسه وكان يذهب مذهب أبي الحسن الأشعري . قال الشيخ شمس الدين : مذهبه يعني الخطيب في الصفات أنها تمر كما جاءت صرح في تصانيفه بذلك . قلت : الشيخ أبو الحسن الأشعري C تعالى له في آيات الصفات مذهبان أحدهما أنه إذا مرت به آية ظاهرها يفهم منه الجسمية كاليد والجنب ردها بالتأويل إلى ما ينفي الجسمية والثاني أنه يمر بظاهرها كما جاءت لا يتأولها ويكل العلم بها إلى الله تعالى من غير اعتقاد الجسمية فاختار الخطيب المذهب الثاني وهو الأسلم . وولد الخطيب سنة اثنتين وتسعين وثلاث مائة وتوفي C يوم الاثنين السابع من ذي الحجة سنة ثلاث وستين وأربع مائة وكان أحد من حمل جنازته الإمام أبو إسحاق الشيرازي .
وقال أبو الفضل بن خيرون : جاءني بعض الصالحين فأخبرني لما مات الخطيب وقال : إني رأيته في المنام فقلت له : كيف حالك ؟ قال : أنا في روح وريحان وجنة نعيم . وقال أبو الحسن علي بن الحسين بن جدا : رأيت في المنام بعد موت الخطيب شخصاً قائماً بحذائي فأردت أن أسأله عن الخطيب فقال لي ابتداءً : أنزل وسط الجنة حيث يتعارف الأبرار . وقال الحافظ أبو طاهر السلفي : سمعت أبا العز نجا بن المبارك بن طالب المحرمي الفقيه يحلف بالله الذي لا إليه إلا هو وهو صدوق صالح من أهل العلم أنه رأى في المنام أبا بكر الشامي قاضي بغداذ بعد موته كأنه قاعد على كرسي قال : فدنوت منه وسلمت عليه وصافحته فالتفت فإذا أبو بكر الخطيب على كرسي آخر فقال لي القاضي الحديث الفلاني فأجابه الخطيب بشيء ذهب عني فتنازعنا فقال الخطيب : فهذا النبي A قم حتى نسأله فقاما جميعاً إلى زاوية فرفعا ستراً أخرض ودخلا فوقفت أنا على الباب ثم انتبهت . وقال أبو القاسم المكي بن عبد السلام المقدسي : كنت نائماً في منزل الشيخ أبي السن بن الزعفراني ببغداذ ليلة الأحد الثاني عشر من ربيع الأول سنة ثلاث وستين وأربع مائة فرأيت في المنام عند السحر كأنا اجتمعنا عند الخطيب بمنزله بباب المراتب لقراءة التاريخ على العادة وكان الشيخ جالساً والشيخ الفقيه أبو الفتح نصر بن إبراهيم عن يمينه وعن يمين الفقيه نصر رجل جالس لم أعرفه فسألت عنه فقلت : من هذا الرجل الذي لم تجر عادته بالحضور معنا ؟ فقيل لي : هذا رسول الله A جاء ليسمع التاريخ فقلت في نفسي : هذه جلالة للشيخ أبي بكر يحضر النبي A مجلسه فقلت في نفسي : وهذا أيضاً رد لقول من يعيب التاريخ ويذكر أن فيه تحاملاً على أقوام . وقال الخطيب في ترجمة الحيري إسماعيل بن أحمد النيسابوري الضرير : حج وحدث ونعم الشيخ كان ولما حج كان معه حمل كتب ليجاور وكان في جملة كتبه " صحيح البخاري " سمعه من الكشمهيني فقرأت جميعه عليه في ثلاثة مجالس قال الشيخ شمس الدين : وهذا شيء لا أعلم أحد في زماننا يستطيعه