إن كان عندك يا زمان بقيةٌ ... مما تهين به الكرام فهاتها .
ثم يهمهم بتلاوة القرآن ثم إنه بعد إشهاره بمصر والقاهرة أمر أن يصلب شنقاً فلما وصل إلى مكانه شنقه جعل يقول لمن تولى ذلك : عجل عجل فلا رغبة لكريم في حياة بعد هذه الحال . ثم صلب وما مضى على ذلك إلا مديدة حتى قتل شاور وسحب فاتفق أن حفر له ليدفن فوجد الرشيد بن الزبير مدفوناً فدفنا معاً ثم نقل كل واحد منهما إلى تربة بقرافة مصر والقاهرة .
ولما دخل اليمن رسولاً قال بعض شعراء اليمن يخاطب صاحب مصر وكان قد لقب علم المهتدين : .
بعثت لنا علم المهتدين ... ولكنه علمٌ أسود .
يريد أن أعلامكم بيض والسود إنما هي لبني العباس .
ورثاه فخر الكتاب أبو علي حسن بن علي الجويني الكاتب بقصيدة دالية أولها : .
حرقي ما لنارها من خمود ... كيف تخبو والنار ذات الوقود .
منها : .
لك يا ابن الزبير قلت لأيا ... م سروري ولذتي لا تعودي .
عبراتي يا أحمد بن عليٍّ ... صيرت في الخدود كالأخدود .
عبراتٌ ترمي بها في حدورٍ ... زفراتٌ ترقى لها في صعود .
إن حزني عليك غضٌّ جديدٌ ... وفؤادي المحزون غير جليد .
إن تمت عبطةً فإن أيادي ... ك البواقي قد بشرت بالخلود .
كيف تحلو لي الحياة وقد حلئ ... ت عن عذب خلقك المورود .
وزعم بعضهم أن عمارة اليمني سعى في أمره مع شاور سعياً عظيماً إلى أن صلب القاضي الرشيد C تعالى وقال له : هذا أبو الفتن ما برح يثير الكبائر ويجر الجرائر يعني لميله إلى شيركوه فإن كان ذلك صحيحاً فبحقٍِّ ما صلب الفقيه عمارة اليمني وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى فإن المجازاة من جنس العمل والمرء مقتول بما قتل به .
؟ ؟ الأمير عماد الدين ابن المشطوب .
أحمد بن علي بن أحمد بن أبي الهيجاء بن عبد الله بن أبي الجليل ابن مرزبان الهكاري عماد الدين أبو العباس بن سيف الدين المعروف بابن المشطوب كان أميراً كبيراً وافر الحرمة عند الملوك وهو بينهم كأنه واحد منهم عالي الهمة غزير الجود شجاعاً أبي النفس تهابه الملوك وله وقائع مشهورة في الخروج عليهم وكان من أمراء السلطان صلاح الدين ولما توفي والده كانت نابلس إقطاعاً له فأرصد منها للسلطان لأجل مصالح القدس الثلث وأقطع الثلثين عماد الدين وكان عبرتها يومئذ ثلاث مائة ألف دينار وكان جده أبو الهيجاء صاحب قلعة العمادية وغيرها من قلاع الهكارية ولم يزل وافر الحرمة إلى أن كانت سنة دمياط فظهر للكامل أن عماد الدين اتفق مع أمراء كبار على أن يخلعوا الكامل ويملكوا الملك الفائز إبراهيم فما أمكنه إلا مداراتهم لكونه قبالة العدو فوصل المعظم صاحب دمشق فأطلعه الكامل على القضية وقال : رأسه هذه الفتنة العماد ابن المشطوب فجاءه يوماً على غفلة إلى خيمته واستدعاه سراً وقال : أريد أن أتحدث معك خلوةً فركب فرسه وسار معه جريدة وقد جرد المعظم جريدة ممن يعتمد عليهم وقال : اتبعوني ولم يزل المعظم يشاغله حتى أبعد عن المخيم وقال له : يا عماد الدين هذه البلاد لك ونشتهي أن تهبها لنا ثم أعطاه شيئاً من النفقة وقال لأولئك المجردين : تسلموه حتى تخرجوه من الرمل فلم يسعه إلا الموافقة لانفراده وعدم القدرة على الممانعة ثم إنه بعد ذلك حوصر بقلعة تل يعفور وهي بين الموصل وسنجار لأنه خرج على الأشرف فراسله الأمير بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل ولم يزل يخادعه إلى أن انقاد له فانتقل إلى الموصل وأقام بها قليلاً ثم قبض عليه وأرسله إلى الأشرف موسى بن العادل فاعتقله في قلعة حران وأثقله بالحديد في رجليه وبالخشب في يديه وحصل في رأسه ولحيته وثيابه من القمل شيء كثير فكتب بعض أصحابه إلى الأشرف : .
يا من بداوم سعده دار فلك ... ما أنت من الملوك بل أنت ملك .
مملوكك ابن المشطوب في السجن هلك ... أطلقه فإن الأمر لله ولك .
ولم يزل في الاعتقال إلى أن توفي على تلك الحال سنة تسع عشرة وست مائة وبنت له ابنته قبة على باب مدنية رأس عين ونقلته من حران إليها ودفنته بها C تعالى وكان مولده سنة خمس وسبعين تقديراً .
؟ ابن خشكنابجه