أحمد بن محمد بن أحمد الجرجاني أبو العباس قاضي البصرة قدم بغداذ في شبابه وتفقه للشافعي وسمع بها الحديث من محمد بن محمد بن غيلان وعلي ابن المحسن التنوخي والحسن بن علي الجوهري وهلال بن المحسن بن الصابئ وعبيد الله بن علي الرقي وغيرهم وسمع بواسط من القاضي أبي تمام علي ابن محمد بن الحسن . وكان فقيهاً فاضلاً أديباً كاملاً له النظم المليح والنثر قدم بغداذ بعد علو سنه وحدث بها وروى عنه أبو طاهر أحمد بن الحسن الكرجي وأبو القاسم ابن السمرقندي . خرج إلى البصرة ومات في الطريق سنة اثنتين وثمانين وأربع مائة وله كتاب " الأدباء " أرود فيه نفائس النظم والنثر . وكتاب " الكنايات " رأيته من أنفع الكتب يدل على مادة عظيمة واطلاع كثير وذكاء ولطف ذوق وكنت قد عزمت على وضع كتابٍ مثله قبل رؤيته فللما رأيته أعرضت عما كنت عزمت عليه ولكن أرجو أن أضع هذا التصنيف إن قدر الله تعالى قلت : قد شرعت فيه وأرجو من الله إكماله وقد سميته " العناية بالكتابة " . ومن شعره : ب .
ترحلت عن بغداذ أيطب منزلٍ ... وأبهى بلاد الله مرأى ومخبرا .
وفارقت أقواماً إذا ما ذكرتهم ... ترقرق ماء العين ثم تحدرا .
فكم من أديبٍ في معانيه بارعٍ ... وأبلج في علم الشريعة أزهرا .
أروح على برح الهموم وأغتدي ... أكابد أحزاناً تضيق بها الثرى .
ولم أبك ربع العامرية باللوى ... ولا رسم دارٍ بالثنية مقفرا .
ولكنني أبكي مقامي ببلدةٍ ... أؤمل أن ألقى صديقاً فلا أرى .
وقال يمدح الشيخ أبا إسحاق الشيرازي : .
للمحبين من حذار الفراق ... عبراتٌ تجول بين المآقي .
فإذا ما استقلت العيس للبي ... ن وسارت حداتها بالرفاق .
استهلت على الخدود انحداراً ... كانحدار الجمان في الإتساق .
كم محب يرى التجلد ديناً ... فهو يخفي من الهوى ما يلاقي .
ازدهاره النوى فأعرب بالوج ... د لساني من دمعه المهراق .
وانحداره الدموع في موقف البي ... ن على الخد آية العشاق .
هون الخطب لست أوّل صبٍّ ... فضحته الدموع يوم الفراق .
قلت : شعر متوسط .
الزين كتاكت .
أحمد بن محمد بن أحمد أبو العباس الأندلسي الإشبيلي المعروف بزين الدين كتاكت المصري الواعظ المقرئ مولد بتنيس سنة خمس وست مائة . توفي بالقاهرة سنة أربع وثمانين وست مائة وكان له معرفة بالأدب . ومن شعره : .
اكشف البرقع عن بكر العقار ... واخل في ليلك مع بكر العقار .
وانهب العيش ودعه ينقضي ... غلطاً ما بين هتكٍ واستتار .
إن يكن شيخ خلاعات الصبا ... فالبس الصبوة في خلع العذار .
وارض بالعار وقل قد لذ لي ... في هوى خمار كاسي لبس عاري .
وقال : .
حضروا فمذ نظروا جمالك غابوا ... والكل مذ سمعوا خطابك طابوا .
فكأنهم في جنةٍ وعليهم ... من خمر حبك طافت الأكواب .
يا سالب الألباب يا من حسنه ... لقلوبنا الوهاب والنهاب .
القرب منك لمن يحبك جنةٌ ... قد زخرفت والبعد عنك عذاب .
يا عامراً مني الفؤاد بحبه ... بيت العذول على هواك خراب .
أنت الذي ناولتني كأس الهوى ... فإذا سكرت فما عليّ عتاب .
وتركتني في كل دار هائماً ... وأخذتني مني فأين أصاب .
وعلى النقا حرمٌ لعلوة آمنٌ ... من حوله تتخطّف الألباب .
لفريقها كيف الوصول ودونه ... نارٌ لها بحشاشي إلهاب .
وقال : .
ظهرت كالشمس لا يقوى لها بصر ... فلا تلم عنك من ولى ولا نظرا .
تريد تفهمنا حرفاً وتعجمه ... وكيف يقرأه من لا عليك قرا .
لكأس صرفك في يمناك بارقةٌ ... يكاد لألاؤها أن يخطف البصرا .
إن لم يروها فإن الكل قد قنعوا ... عمن سقاك بأن يروي لهم خبرا .
وقال : .
أدارت خمرها الأحداق سراً ... على الأرواح واتصل النعيم