وسبب هذه الحمول واِلإضافات والإلحاقات كثيرة هذه اللغة وسعتها وغلبة حاجة أهلها إلى التصرف فيها والتّركُّح في اثنائها لمِا يلابسونه ويكُثرون استعماله من الكلام المنثور والشعر الموزون والخُطَب والسُّجوع ولقوّة إحساسهم في كلّ شئ شيئا وتخيّلِهم مالا يكاد يَشعر بِه منَ لم يألف مذاهبهم .
وعلى هذا ما مُنِع الصرف من الأسماء للشَّبَه اللفظيّ نحوُ أحمر وأصفر وأصرم وأحمد وتألَب وتْنضُب عَلَمين لِمَا في ذلك من شَبَه لفظ الفعل فحذفوا التنوين من الإسم لمشابهته مالا حِصَّة له في التنوين وهو الفعل والشبَّه اللفظيّ كثير وهذا كافٍ .
باب في الردّ على من ادّعى على العرب عنايتَها بالألفاظ وإغفالهَا المعاني .
أعلم أن هذا الباب مِن أشرف فصول العربيَّة وأكرمها وأعلاها وأنزهها وإذا تأملته عرفت منه وبِه ما يؤِنقك ويذهب في الاستحسان له كل مَذْهَب بك .
وذلك أن العرب كما تُعْنَى بألفاظها فُتصلحها وتهذِّبها وتراعيها وتلاحظ أحكامها بالشعر تارة وبالُخَطب أُخرى وبالأسماع التي تلتزمها وتتكّلف استمرارها فإن المعانَي أقوى عندها وأكرم عليها وأفخم قَدْرا في نفوسها .
فأوّل ذلك عنايتها بألفاظها فإنها لمَّا كانت عُنوان معانيها وطريقا إلى إظهار أغراضها ومراميها أصلحوها ورتّبوها وبالغوا في تحبيرها وتحسينها ليكون