بِه لأن الله سبحانه إنما هداهم لذلك ووقَفَهم عليه لأن في طِباعهم قبولا له وانِطواء على صحَّة الوضع فيهِ لأنهم مع ما قدّمناه من ذكر كونهم عليه في أوّل الكتاب من لُطْف الحّس وصفائِه ونصاعِة جوهر الفكر ونقائه لم يُؤْتَوْا هذه اللغة الشريفة المنقادة الكريمة إلاَّ ونفوسهم قابلة لها مُحِسَّة لقوَّة الصنعة فيها معترفة بَقدر النِّعمة عليهم بما وهُب لهم منها ألا ترى إلى قوِل أبي مهديّة .
( يقولون لي شنبِذْ ولست مشنبذاً ... طًواَل اللياليِ ما أقام ثَبِير ) .
( ولا قائلا زوذاً ليعجل صاحِبي ... وبِستان في صدري علىَّ كبير ) .
( ولا تاركا لَحنِى لأُحِسن لَحْنهم ... ولو دار صرف الدهر حيث يدور ) .
وحدّثني المتنبي شاعرنا وما عرفته إلا صادقا قال كنت عند منصرَفي من مِصْر في جماعة من العرب واحدهم يتحدّث فذكر في كلامه فلاة واسعة فقال يِحير فيها الطَرْف قال وآخَر منهم يلقِّنه سرّا من الجماعة بينه وبينه فيقول له يحار يحار أفلا ترى إلى هداية بعضهم لبعض وتنبيهِه إياه على الصواب .
وقال عّمار الكلبيّ وقد عِيب عليه بيت من شعرهِ فامتعض لذلك .
( ماذا لِقينا مِن المستعرِبين ومِن ... قياس نحوِهِم هذا الذي ابتدَعوا )