وهذا قد قاسه الكوفيون وإن كنا نحن لا نراه قياسا لكن مثل ( يعدو وهو محموم ) لم يرو عنهم فيما علمت . فإياك أن تُخِلد إلى كلّ ما تسمعه بل تأمَّلْ حال مُورِده وكيف موقعُه من الفصاحة فاحكم عليه وله . باب اختلاف اللغات وكلها حُجّة .
اعلم أن سعة القياس تبيح لهم ذلك ولا تحظُره عليهم ألا ترى أن لغة التميميين في ترك إعمال ( ما ) يقبلها القياس ولغة الحجازيين في إعمالها كذلك لأن لكل واحد من القومين ضربا من القياس يؤخَذ به ويُخْلَد إلى مثله . وليس لك أن تردَّ إحدى اللغتين بصاحبتها لأنها ليست أحقَّ بذلك من رَسِيلتها . لكن غاية مالَك في ذلك أن تتخيرَّ إحداهما فتقوّيَها على أختها وتعتقد أن أقوى القياسين أقبلُ لها وأشدّ أنْسا بها . فأمّا ردّ إحداهما بالأخرى فلا . أوَلا ترى إلى قول النبي : نزل القرآن بسبع لغاتٍ كلها كافٍ شافٍ .
هذا حكم اللغتين إذا كانتا في الاستبدال والقياس متدانيتين متراسِلتين أو كالمتراسلتين .
فأمّا أن تقِلّ إحداهما جدا وتكثر الأخرى جِدّا فإنك تأخذ بأوسعِهما رواية وأقواهما قياسا ألا تراك لا تقول : مررت بِكَ ولا المال لِكَ قياسا على قول قُضَاعة : المالُ له ومررت بِهَ ولا تقول أكرمتُكِشْ ولا أكرمتكِسْ قياسا على لغة من قال مررت بِكِشْ وعجبت منِكِسْ