ما يخفى عليك فيعترض الشكّ على يقينك وتسقط بكل اللغات ثقتك . ويكفى من هذا ما تعلمه من بُعد لغة حْمِيَر من لغة ابنى نزار . روينا عن الأصمعيّ أن رجلا من العرب دخل على ملِك ( ظَفَارِ ) - وهي مدينة لهم يجئ منها الجَزْع الظفاريّ - فقال له الملك : ثِبْ وثب بالحميرية : اجلس فوثب الرجل فاندقَّت رِجْلاه فضحك الملك وقال ليست عندنا عَرَبِيَّتْ من دخل ظَفَارِ حمَّرِ أي تكلم بكلام حْمِيرَ . فإذا كان كذلك جاز جوازا قريبا كثيرا أن يدخل من هذه اللغة في لغتنا وإن لم يكن لها فصاحتنا غير أنها لغة عربية قديمة باب في هذه اللغة : أفى وقت واحد وضِعت أم تلاحق تابع منها بفارِط .
قد تقدّم في أول الكتاب القول على اللغة : أتواضع هي أم إلهام . وحكينا وجوّزنا فيها الأمرين جميعا . وكيف تصرَّفت الحال وعلى أيّ الأمرين كان ابتداؤها فإنها لا بدّ أن يكون وقع في أوّل الأمر بعضُها ثم احتيج فيما بعد الى الزيادة عليه لحضور الداعي إليه فزيد فيها شيئا فشيئا إلا أنه على قياس ما كان سبق منها في حروفه وتأليفه وإعرابه المبين عن معانيه لا يخالف الثاني الأول