- على قول من أجاز الحذف في الصحيح لضربٍ من الصنعة - مثلَ قولك ( مُحَوِىّ ) لقلت ( مُضَرِىّ ) فحذفْت الباء من ( ضرب ) كما حذفت لام ( مُحيَّاَّ ) . أفلا تراك كيف أحَلْت بالصنعة لفظ ( ضرب ) إلى لفظ ( مَضَر ) فصار ( مُضَرِىّ ) كأنه منسوب إلى ( مُضَر ) .
وكذلك لو بنيت مثل قولهم في النسب إلى تَحيَّة : ( تَحَوِىّ ) من نَزَف أو نَشَف أو نحو ذلك لقلت : تنَفِىّ . وذلك أن ( تحيَّة ) تفعِلة وأصلها ( تحْيِية ) كالتسوية والتجِزئة فلما نسبتَ إليها حذفت أشبه حرفيها بالزائد وهو الين أعنى الياء الأولى فكما تقول في ( عَصِيَّة وقَضِيَّة ) عَصَوىّ وقَضَوىّ قلت أيضا في تحِيّة ( تحوِىّ ) فوزن لفظ ( يحْوِى ) الآن ( تَفَلىّ ) أردت مثل ذلك من نزف ونشف قلت تنفى ومثالها تفلي إلا أنه مع هذا خرج إلى لفظ الإضافة إلى تَنُوفة إذا قلت ( تَنَفّى ) كقول العرب في الإضافة إلى ( شَنُوءة ) : شَنَئِى . أفلا ترى إلى الصنعة كيف تُحيل لفظا إلى لفظ وأصلا إلى أصلٍ .
وهذا ونحوه إنما الغرض فيه الرياضة به وتدرُّب الفِكْر بتجشُّمِه وإصلاحُ الطبع لما يعرض في معناه وعلى سَمْتِه . فأمَّا لأن يستعمل في الكلام ( مُضَرِىّ ) من ( ضرب ) و ( تَنَفِىّ ) من ( نزف ) فلا . ولو كان لا يُخاض في علم من العلوم إلا بما لا بدّ له من وقوع مسائلة معيَّنةً محصَّلة لم يّتم علم على وجه ولبقى مبهوتا بلا لحظٍ