فأما قوله سبحانه : ( وفَوْقَ كُلِّ ذِى عِلْمٍ عَلِيمٌ ) فحقيقة لا مجاز . وذلك أنه سبحانه ليس عالما بعلم فهو إذاً العليم الذي فوق ذوى العلوم أجمعين . ولذلك لم يقل : وفوق كل عالم عليم لأنه - عز اسمه - عالم ولا عالم فوقه .
فإن قلت : فليس في شئ مما أوردته من قولك : ( وأوتيت من كل شئ ) و ( خالق كل شئ ) ( وفوق كل ذى علم عليم ) اللفظ المعتاد للتوكيد .
قيل : هو وإن لم يأت تابعا على سمت التوكيد فإنه بمعنى التوكيد البتة ألا ترى أنك إذا قلت : عَمَمت بالضرب جميع القوم ففائدته فائدة قولك ضربت القوم كلهم . فإذا كان المعنيان واحدا كان ما وراء ذلك غير معتد به ولغوا باب في إقرار الألفاظ على أوضاعها الأول ما لم يدعُ داع إلى الترك والتحول .
من ذلك ( أو ) إنما أصل وضعها أن تكون لأحد الشيئين أين كانت وكيف تصرفت . فهى عندنا على ذلك وإن كان بعضهم قد خفى عليه هذا من حالها في بعض الأحوال حتى دعاه إلى أن نقلها عن أصل بابها . وذلك أن الفراء قال : إنها قد تأتى بمعنى بل وأنشد بيت ذى الرمة :