@ 43 @ .
وقيل هو قوله أمّا بعد .
وكان أوّل من تكلّم بها فأما علم القضاء فلعمر إلهك إنه لنوع من العلم مجرّد وفصل منه مؤكّد غير معرفة الأحكام والبصر بالحلال والحرام ففي الحديث أقضاكم عليّ وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل .
وقد يكون الرجل بصيراً بأحكام الأفعال عارفاً بالحلال والحرام ولا يقوم بفصل القضاء فيها وقد يكون الرجل يأتي القضاء من وجهه باختصار من لفظه وإيجاز في طريقه بحذف التطويل ورفع التشتيت وإصابة المقصود .
ولذلك يُروى أنّ عليّ بن أبي طالب قال لما بعثني النبيَّ إلى اليمن حفر قومٌ زُبيةً للأسد فوقع فيها الأسد وازدحم الناسُ على الزُّبية فوقع فيها رجل وتعلَّق بآخر وتعلَّق الآخر بآخر حتى صاروا أربعة فحرجهم الأسد فيها فهلكوا وحمل القوم السلاح وكاد يكون بينهم قتال فأتيتُهم فقلت لهم أتقتلون مائتي رجل من أجل أربعة أناسي تعالوا أقض بينكم بقضاءٍ فإن رضيتم فهو قضاء بينكم وإن أبيتموه رفعتُ ذلك إلى رسول الله فهو أحقُّ بالقضاء فجعل للأول ربع الدية وللثاني ثلث الدية وللثالث نصف الدية وجعل للرابع الدية وجعل الديات على من حفر الزُّبية على قبائل الأربع .
فسخط بعضهم ورضيَ بعضهم ثم قدموا على رسول الله فقصُّوا عليه القصة فقال أنا أقضي بينكم فقال قائل إنّ عليًّا قد قضى بيننا وأخبروه بما قضى به عليٌّ فقال عليه السلام القضاء كما قضاه عليّ .
وفي رواية فأمضى رسول الله قضاء عليّ .
وكذلك يُروى في المعرفة بالقضاء أنّ أبا حنيفة جاء إليه رجل فقال إنّ ابن أبي ليلى وكان قاضياً بالكوفة جلد امرأةً مجنونة قالت لرجل يا بن الزانيين فحدَّها حدَّين في المسجد وهي قائمة فقال أخطأ من ستة أوجه