كل من قصر عن ذلك التمام ونقص من ذلك الكمال وقد شاهدوا النبي وخطبه الطوال في المواسم الكبار ولم يطل التماسا للطول ولا رغبة في القدرة على الكثير ولكن المعاني اذا كثرت والوجوه اذا أفتنت كثر عدد اللفظ وان حذفت فضوله بغاية الحذف ولم يكن الله ليعطي موسى لتمام ابلاغه شيئا لا يعطيه محمدا والذي بعث فيهم أكثر ما يعتمدون عليه البيان واللسن وإنما قلنا هذا لنحسم جميع وجوه الشغب لا ان أحدا من أعدائه شاهد هناك طرفا من العجز ولو كان ذلك مرئيا ومسموعا لاحتجوا به في الملا ولتناجوا به في الخلا ولتكلم به خطيبهم ولقال فيه شاعرهم فقد عرف الناس كثرة خطبائهم وتسرع شعرائهم .
هذا على اننا لا ندري أقال ذلك رسول الله أم لم يقله لان مثل هذه الاخبار يحتاج فيها الى الخبر المكشوف والحديث المعروف ولكنا بفضل الثقة وظهور الحجة نجيب بمثل هذا وشبهه .
وقد علمنا ان من يقرض الشعر ويتكلف الاسجاع ويؤلف المزدوج ويتقدم في تحبير المنثور وقد تعمق في المعاني وتكلف إقامة الوزن والذي تجود به الطبيعة وتعطيه النفس سهوا رهوا مع قلة لفظه وعد هجائه أحمد امرا وأحسن موقعا من القلوب وأنفع للمستمعين من كثير خرج بالكد والعلاج ولأن التقدم منه وجمع النفس له وحصر الفكر عليه لا يكون الا ممن يحب السمعة ويهوى الفلج والاستطالة وليس بين حال المتنافسين وبين حال المتحاسدين الا حجاب رقيق وحجاز ضعيف والانبياء بمندوحة من هذه الصفة وفي ضد هذه الشيمة .
وقال عامر بن عبد قيس الكلمة اذا خرجت من القلب وقعت في القلب واذا خرجت من اللسان لم تجاوز الاذان .
وتكلم رجل عند الحسن بمواعظ جمة ومعان تدعو الى الرقة فلم ير الحسن رق فقال الحسن اما ان يكون بنا شر او بك يذهب الى ان المستمع يرق على قدر رقة القائل .
والدليل الواضح والشاهد القاطع قول النبي نصرت بالصبا وأعطيت جوامع الكلم وهو القليل الجامع للكثير وقال الله تعالى وقوله