ويعجبني في هذا الباب قول ناصر الدين بن المشد .
( مسكية الأنفاس تملي الصبا ... عنها حديثا قط لم يملل ) .
( جننت لما أن سرى عرفها ... وما نرى من جن بالمندل ) .
وألطف منه وأكثر نوادر قول بدر الدين حسن الغزي الشهير بالزغاري .
( سرت من بعيد الدار لي نسمة الصبا ... وقد أصبحت حسرى من السير ضائعه ) .
( ومن عرق مبلولة الجيب بالندى ... ومن تعب أنفاسها متتابعه ) .
ومن العجائب في هذا النوع .
( حبذا ليلة رأيت دجاها ... زاهيا عطفه بحلة فجر ) .
( بشرت باللقاء وهي غراب ... ونفى الفجر حسنها وهي قمري ) .
ومن النوادر اللطيفة في هذا الباب قول علاء الدين الجويني صاحب الديوان ببغداد من دو بيت .
( مذ صار مبيتنا بضوء القمر ... والحب نديمنا وصوت الوتر ) .
( نادى بفراقنا نسيم سحرا ... ما أبرد ما جاءت نسيم السحر ) .
ومن نادر ما اتفق لي قولي من قصيدة رائية .
( ومذ سرت نسمات الثغر باردة ... بدا بأعضاء ذاك الجفن تكسير ) .
قد تقدم تقرير حد ابن أبي الأصبع في نوع النوادر وتكرر وهو أن يعمد الشاعر إلى معنى مشهور كثير الاستعمال فيغرب فيه بزيادة نكتة لم تقع لغيره ليصير المعنى المستعمل بها غريبا وقد فهم ما أوردته هنا من تلاعب الشعراء بالنسيم وما أظهروا فيه من النوادر التي تركت رخيصه غاليا وتكسير الجفن أيضا ونسبة التكسير إليه أكثر أهل الأدب استعماله في تغزلهم ونسيبهم ولكن استعارة النسمات الباردة للثغر وهبوبها على أعضاء ذاك الجفن السقيم حتى ظهر فيه التكسير نادرة النوادر في هذا النوع والله أعلم