( وإن أشعر بيت أنت قائله ... بيت يقال إذا أنشدته صدقا ) .
وعند أهل هذا المذهب أن المبالغة لم تسفر عن غير التهويل على السامع ولم يفر الناظم إلى التخييم عليها إلا لعجزه وقصور همته عن اختراع المعاني المبتكرة لأنها في صناعة الشعر كالاستراحة من الشاعر إذا أعياه إيراد المعاني الغريبة فيشغل الأسماع بما هو محال وتهويل وقالوا ربما أنها أحالت المعاني فأخرجتها عن حد الكلام الممكن إلى حد الامتناع والمبالغة تعاب في بابها إذا خرجت عن حد الإمكان إلى الاستحالة ويأتي الكلام على حدها في موضعه والذي أقوله إن المبالغة من محاسن أنواع البديع ولم يستطرد في حلبات سبقها إلا فحول هذه الصناعة ولولا سمو رتبتها ما وردت في القرآن العظيم والسنة النبوية ولو سلمنا إلى من يهضم جانبها ولم يعدها من حسنات الكلام بطلت بلاغة الاستعارة وانحطت رتبة التشبيه .
وتسمية المبالغة منسوبة إلى قدامة ومنهم من سمى هذا النوع التبليغ وسماه ابن المعتز الإفراط في الصفة وهذه التسمية طابقت المسمى ولكن أكثر الناس رغبوا في تسمية قدامة لخفتها .
وهذا النوع أعني المبالغة شركه قوم مع الإغراق والغلو لعدم معرفة الفرق وهو مثل الصبح ظاهر .
والمبالغة في الاصطلاح هي إفراط وصف الشيء بالممكن القريب وقوعه عادة .
والإغراق وصف الشيء الممكن البعيد وقوعه عادة .
والغلو وصفه بما يستحيل وقوعه .
ويأتي الكلام على كل واحد من الثلاثة في موضعه وقد تقرر أولا أن المبالغة نوعها مبني على وصف الشيء بالممكن القريب وقوعه .
وحد قدامة المبالغة فقال هي أن يذكر المتكلم حالا من الأحوال لو وقف عندها لأجزأت فلا يقف حتى يزيد في معنى ما ذكره ما يكون أبلغ من معنى قصده كقول عمير بن كريم التغلبي .
( ونكرم جارنا ما دام فينا ... ونتبعه الكرامة حيث مالا ) .
وقال إن هذا البيت من أحسن المبالغة عند الحذاق فإن الشاعر بلغ فيه إلى أقصى ما يمكن من وصف الشيء وتوصل إلى أكثر ما يقدر عليه فتعاطاه .
ولخص بعضهم عبارة الحد الذي حده قدامة وقال المعنى إذا زاد على التمام سمي مبالغة