( لا يعبق الطيب خديه ومفرقه ... ولا يمسح عينيه من الكحل ) .
فإن ظاهر الكلام نفي عبق الطيب ومسح الكحل والمراد نفي الطيب والكحل مطلقا .
ومثله قول أبي الطيب المتنبي .
( أفدي ظباء فلاة ما عرفن بها ... مضغ الكلام ولا صبغ الحواجيب ) .
( ولا برزن من الحمام مائلة ... أوراكهن صقيلات العراقيب ) .
فظاهر الكلام عدم بروزهن من الحمام على تلك الهيئات والمراد في باطن الكلام عدم الحمام مطلقا فإنهن عربيات كظباء الفلاة ولهذا قال ذو الرمة ( بالله يا ظبيات قلن لنا ... ليلاي منكن أم ليلى من البشر ) .
والقصد أن حسنهن لم يفتقر إلى تصنع ولا إلى نظرية بدخول الحمام .
وبيت الشيخ صفي الدين الحلي في بديعيته على هذا النوع أعني نفي الشيء بإيجابه يقول فيه عن النبي .
( لا يهدم المن منه عمر مكرمة ... ولا يسوء أذاه نفس متهم ) .
فظاهر الكلام في بيت الشيخ صفي الدين الحلي أن النبي لا يتبع المكرمة بمن وحاشاه من ذلك ولا يصدر منه لنفس متهم إساءة والمراد في الباطن نفي المن والإساءة مطلقا فإن مقام النبي في الكرم والحلم فوق ذلك .
والعميان لم ينظموا هذا النوع في بديعيتهم وبيت الشيخ عز الدين غفر الله له يقول فيه عن النبي .
( لم ينف ذما بإيجاب المديح فتى ... إلا وعاقدت فيه الدهر بالسلم ) .
هذا البيت ليس له تعلق بهذا النوع فإن مشايخ البديع تواردوا في حده على عبارة واحدة لم تختلف بحرف بل الجميع قالوا نفي الشيء بإيجابه هو أن يثبت المتكلم شيئا في ظاهر كلامه وينفي ما هو من سببه مجازا والمنفي في باطن الكلام حقيقة هو