وبهذه الفضائل حافظت الغريزة الإنسانية على قبوله بطلب تعلمه محافظة لم يحتج بها إلى تذكار بعد الغيبة ولهذه العلة استغنى عن كتاب يصنف فيه .
ثم قال وجميع العلوم إنما تعرف بالدلالة عليها بالإشارة أو اللفظ أو الخط فالإشارة تتوقف على المشاهدة واللفظ يتوقف على حضور المخاطب وسماعه أما الخط فإنه لا يتوقف على شيء فهو أعمها نفعا وأشرفها .
واعلم أنه قد تقدم في الكلام على اللغة في النوع الأول مما يحتاج إليه الكاتب أنه ينبغي للكاتب أن يتعلم لغة من يحتاج إلى مخاطبته أو مكاتبته من اللغات غير العربية فكذلك ينبغي أن يتعلم من الخطوط غير العربية ما يحتاج إليه من ذلك فقد قال محمد بن عمر المدائني في كتاب القلم والدواة إنه يجب عليه أن يتعلم الهندية وغيرها من الخطوط العجمية .
ويؤيد ذلك ما تقدم في الكلام على اللغة أن النبي أمر زيد بن ثابت Bه أن يتعلم كتاب يهود من السريانية أو العبرانية فتعلمها وكان يقرأ على النبي كتبهم ويجيبهم عنه .
الطرف الثالث في وضع الخط وفيه جملتان .
الجملة الأولى في بيان المقصود من وضعه والموازنة بينه وبين اللفظ .
أما بيان المقصود من وضعه فاعلم أن وضع اللفظ لأداء المعنى الحاصل في الذهن المشعور به للمسمع إذ لا وقوف على ما في الذهن ووضع الخط لأداء اللفظ المقصود فهمه للناظر فيه .
فإذا أردت إيقافك أحدا على ما في ذهنك من المعاني تكلمت بألفاظ وضعت لها وإذا أردت تأدية ألفاظ لذلك الإيقاف إلى أحد