قلت والمراد أن الشعر غلب في هذه القبائل وظهر فيها وكان فيها الشعراء المجيدون وإلا فالشعر موجود في قبائل العرب قبل ذلك كحمير وكهلان من اليمن بل في عاد وثمود على ما تشهد به كتب السير والأخبار فإذا عرف الكاتب ذلك استعان به في المساواة بمن شاء منهم في التقريظات والتفضيل عليه كما كتبت في تقريظ شاعر فامرؤ القيس يغرق في مقياس معانيه والنابغة الذبياني يقصر عن أن يبلغ مدى شأوه أو يدانيه وزهير يقتطف زهرات البلاغة من أفانينه وأوس بن حجر ينسج على منواله ويأتم بقوانينه وطفيل الغنوي يتطفل على موائد شعره وطرفة بن العبد يقصر عنه في شيوع ذكره والأعشى يعشو إلى ضوء ناره وعمرو بن كلثوم يسعى إلى بابه ويقف بفناء داره وكثير في أمثاله لا يعد من أمثاله وجرير في مفاخره يتمسك من الفخار بأذياله والفرزدق في أوصافه يقلبه ما بين يمينه وشماله فلو رآه عبد الملك بن مروان لاختاره على الأخطل أو اجتمع مع أبي نواس لدى الأمين لقال هذا هو المقدم الأفضل أو أدركه أبو تمام لاعترف له بالتمام أو بصر به أبو عبادة لقال أنا له عبد وغلام أو عاصره المتنبي لاعترف بفضله أو ابن الساعاتي لقال لا يأتي الزمان دون قيام الساعة بمثله ونحو ذلك مما يجري هذا المجرى .
وكذلك ينبغي أن يعرف مصطلح أهل العروض الذي هو ميزان الشعر مثل الوتد والسبب والفاصلة والعروض والضرب وأسماء البحور من الطويل والمديد والبسيط وأخواتها وألقاب الزحاف كالخبن والخبل والقبض وغيرها ليدخلها تضاعيف كلامه عند احتياجه إلى ذلك