قال ابن الأثير C وقد رأيت جماعة من الجهال إذا قيل لأحدهم إن هذه اللفظة حسنة وهذه قبيحة أنكر ذلك وقال بل كل الألفاظ حسن والواضع لم يضع إلا حسنا قال ومن يبلغ جهله إلى غاية لا يفرق بين لفظة الغصن ولفظة العسلوج وبين لفظ المدامة ولفظ الإسفنط وبين لفظ السيف ولفظة الخنشليل وبين لفظة الأسد ولفظة الفدوكس فلا ينبغي أن يخاطب بخطاب ولا يجاب بجواب بل يترك وشأنه كما قيل ( أتركوا الجاهل بجهله ولو ألقى الجعر في رحله ) .
وما مثاله في ذلك إلا كمن يسوي بين صورة زنجية سوداء مظلمة السواد شوهاء الخلق ذات عين محمرة وشفة غليظة وشعر قطط وبين صورة رومية بيضاء مشربة بحمرة ذات خد أسيل وطرف كحيل ومبسم كأنما نظم من أقاح وطرة كأنها ليل على صباح .
فإذا كان بإنسان من سقم النظر أن يسوي بين هذه الصورة وهذه فلا يبعد أن يكون به من سقم الفكر أن يسوي بين هذه الألفاظ وهذه ولا فرق بين السمع والنظر في ذلك فإن هذه حاسة وهذه حاسة وقياس حاسة على حاسة غير ممتنع ولا عبرة بمن يستحسن الألفاظ القبيحة ويميل إلى الصورة الشنيعة فإن الحكم على الكثير الغالب دون الشاذ النادر الخارج عن الاعتدال فإنا لو رأينا من يحب أكل الفحم والجص والتراب ويختار ذلك على ملاذ الأطعمة فإنا لا نستجيد هذه الشهوة بل نحكم عليه بالمرض وفساد المعدة وأنه يحتاج إلى العلاج والمداواة ومن له أدنى بصيرة يعلم أن للألفاظ في الأذن