( فلو كنت ذا حزم شددت وكاءه ... كما شد جربان الدلاص قيون ) .
فما مضى إلا أيام حتى بلغ جريرا الخبر فقال فيه هذين البيتين .
قال وهذا من أغرب ما يكون في هذا الموضع وأعجبه قال في الصناعتين وإذا كان القوم في قبيلة واحدة في أرض واحدة فإن خواطرهم تقع متقاربة كما أن أخلاقهم وشمائلهم تكون متضارعة .
قال في المثل السائر ويقال إن الفرزدق وجريرا كانا ينطقان في بعض الأحوال عن ضمير واحد .
قال وهذا عندي مستبعد فإن ظاهر الأمر يدل على خلافه والباطن لا يعلمه إلا الله تعالى وإلا فإذا رأينا شاعرا متقدم الزمان قد قال قولا ثم سمعناه من شاعر أتى من بعده علمنا بشهادة الحال أنه أخذه منه وهب أن الخواطر تتفق في استخراج المعاني الظاهرة المتداولة فكيف تتفق الألسنة أيضا في صوغ الألفاظ وكلام العسكري في الصناعتين يوافقه بالعتب على المتأخر وإن ادعى أنه لم يسمع كلام الأول في مثل ذلك .
القسم الثاني ما وقع الاتفاق فيه في المعنى وبعض اللفظ وهو على ضربين .
الضرب الأول ما اتفق فيه المعنى وأكثر اللفظ .
كقول امرىء القيس .
( وقوفا بها صحبي علي مطيهم ... يقولون لا تهلك أسى وتجمل ) .
وقول طرفة .
( وقوفا بها صحبي علي مطيهم ... يقولون لا تهلك أسى وتجلد )