قال أبو محمد والذي نقول به وبالله تعالى التوفيق أن له مائية هي أنيته نفسها وأنه لا جواب لمن سأل ما هو الباري إلا ما أجاب به موسى عليه السلام إذ سأله فرعونة وما رب العالمين ونقول أنه لا جواب ها هنا لا في علم الله تعالى ولا عندنا إلا ما أجاب به موسى عليه السلام لأن الله تعالى حمد ذلك منه وصدق فيه ولو لم يكن جوابا صحيحا تاما لا نقص فيه لما حمده الله واحتج من أنكر المائية بأن قال لا تخلو المائية من أن تكون هي الله أو تكون غيره فإن كانت غيره والمائية لم يزل فلم يزل مع الله تعالى غيره وهذا شرك وكفر قالوا وإن كانت هو هي وكنا لا نعلمها فقد صرنا لا نعلم الله D وهذا اقرار بأننا نجهله والجهل بالله تعالى كفر به وقالوا لو امكن أن تكون له مائية لكانت له كيفة .
قال أبو محمد وهذا من جهلهم بحدود الكلام وبمواقع الأسماء على المسميات إذ مائية الشيء إنما هي الجواب في سؤال السائل بما هو وهذا سؤال عن حقيقة الشيء وذاته فمن أبطل المائية فقد أبطل حقيقة الشيء المسئول عنه بما هو لكن أول مراتب الإثبات فيما بيننا هي الآنية وهي إثبات وجود الشيء فقط وهذا أمر قد علمناه وأحطنا به ولا يتبعض العلم بذلك فيعلم بعضه ويجهل بعضه ثم يتلو الآنية التي هي جواب السائل فهل فيما بيننا السؤال بما هو وأما في الباري تعالى فالسؤال بما هو هو السؤال بهل وهو والجواب في كليهما واحد فنقول هو حق واحد أول خالق لا يشبهه شيء من خلقه وإنما اختلفت الآنية والمائية في غير الله تعالى لإختلاف الأعراض في المسئول عنه وليس الله تعالى كذلك ولا هو حامل أعراضا أصلا هاهنا نقف ولا نعلم أكثر ولا هاهنا أيضا شيء غير هذا إلا ما علمنا ربنا تعالى من سائر أسمائه كالعليم والقدير والمؤمن والمهيمن وسائر أسمائه وقد أخبر تعالى على لسان نبيه A أن له تسعة وتسعين اسما مائة غير واحد قال تعالى ولا يحيطون به علما .
قال أبو محمد وهذا كلام صحيح على ظاهره إذ كل ما أحاط به العلم فهو متناه محدود وهذا منفي عن الله D وواجب في غيره لوقوع العدد المحاط به في أعراض كل ما دونه تعالى ولا يحاط بما لا حدود له ولا عدد له فصح يقينا أننا نعلم الله D حقا ولا نحيط به علما كما قال تعالى .
قال أبو محمد فالآنية في الله تعالى هي المائية التي أنكرها أهل الجهل بحقائق الأمور وبالقرآن وبالسنن نحمد الله D على ما من به علينا من تيسير الإتباع كتابة وتدبره وطلب سنن نبينا محمد A والوقوف عندهما ومعرفتهما بأن العقل لا يحكم به على خالقه لكن يفهم به أوامره تعالى ويميز به حقائق ما خلق فقط وما توفيقنا إلا بالله وأما قولهم لو كانت له مائية لكانت له كيفية فكلام قوم جهال بالحقائق وقد بينا وبان لكل ذي عقل أن السؤال بما هو الشيء غير السؤال يكيف هو الشيء وأن المسؤل عنه بإحدى اللفظتين المذكورتين غير المسؤل عنه بالأخرى وأن الجواب عن إحداهما غير الجواب عن الأخرى وبيان ذلك أن السؤال بما هو إنما هو سؤال عن ذاته واسمه وأن السؤال بكيف هو إنما سؤال عن حاله وإعراضه وهذا لا يجوز أن يوصف به الباري تعالى فلاح الفرق ظاهرا وبالله تعالى التوفيق