ثمانين سنة ويملك ويفعل ويصنع فإذا قلتم أن ذلك الفلان يقدر قدرة تامة على ترك ذلك الوطء الذي لم يزل الله تعالى يعلم أنه سيكون وأنه يخلق ذلك الولد منه فقد قطعتم بأنه قادر على أن يمنع الله من خلق ما قد علم أنه سيخلقه وأنه قادر قدرة تامة على إبطال علم الله D وهذا كفر ممن أجازه فإن قال قائل فإنكم أنتم تطلقون أن المرء مستطيع قبل الفعل لصحة جوارحه فهذا يلزمكم قلنا هذا لا يلزمنا لأننا لم نطلق أن له قدرة تامة على ذلك أصلا بل قلنا أنه لا يقدر على ذلك قدرة تامة البتة ومعنى قولنا أنه مستطيع بصحة جوارحه اي أنه متوهم منه ذلك لو كان ونحن لم نطلق الاستطاعة إلا على هذا الوجه حيث أطلقها الله D فإن قالوا إن الله تعالى قادر على كل ذلك ولا يوصف بالقدرة على فسخ علمه الذي لم يزل قلنا وهذا أيضا مما تكلمنا فيه آنفا بل الله تعالى قادر على كل ذلك بخلاف خلقه على ما قد مضى كلامنا فيه وبالله تعالى التوفيق .
قال أبو محمد وقد نص الله تعالى على ما قلنا بقوله D سيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم أنهم لكاذبون إلى قوله ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين فأكذبهم الله تعالى في نفيهم عن أنفسهم الاستطاعة التي هي صحة الجوارح وارتفاع الموانع ثم نص تعالى على أنه قال اقعدوا مع القاعدين وهذا أمر تكوين لا أمر بالقعود لأنه تعالى ساخط عليهم لقعودهم وقد نص تعالى على أنه إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فقد ثبت يقينا انهم مستطيعون بظاهر الأمر بالصحة في الجوارح وارتفاع الموانع وأن الله تعالى كون فيهم قعودهم فبطل أن يتم استطاعتهم لخلاف فعلهم الذي ظهر منهم وقال عزو جل من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا فبين D بيانا جليا أن من أعطاه الهدى اهتدى ومن أضله فلا يهتدي فصح يقينا أن بوقوع الهدى له من الله تعالى وهو التوفيق يفعل العبد ما يكون به مهتديا وأن بوقوع الإضلال من الله تعالى وهو الخذلان وخلق ضلال العبد يفعل المرء ما يكون به ضالا فإن قال قائل معنى هذا من سماه الله مهتديا ومن سماه ضالا قيل له هذا باطل لأن الله تعالى نص على أن من أضله الله فلن تجد له وليا مرشدا فلو أراد الله تسميته كما زعمتم لكان هذا القول منه D كذبا لأن كل ضال فله أولياء على ضلاله يسمونه مهتديا وراشدا وحاشا الله من الكذب فبطل تأويلهم الفاسد وصح قولنا والحمد لله رب العالمين .
قال أبو محمد وقال الله تعالى مخبرا عن الخضر الذي أتاه الله تعالى العلم والحكمة والنبوة حاكيا عن موسى عليه السلام وفتاه فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما وقال تعالى مخبرا عنه ومصدقا عنه وما فعلته عن أمري فصح أن كل ما قال الخضر عليه السلام فمن وحي الله D ثم أخبر D بأن الخضر قال لموسى عليه السلام إنك لن تستطيع معي صبرا فلم ينكر الله تعالى كلامه ذلك ولا أنكره موسى عليه السلام لكن أجابه بقوله ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا فلم يقل له موسى عليه السلام أني مستطيع للصبر بل صدق قوله في ذلك إذ أقره ولم ينكره ورجا أن يجد الله له استطاعة على الصبر فيصبر ولم يوجبه موسى عليه السلام أيضا لنفسه إلا أن يشاء الله تعالى ثم كرر عليه الخضر بعد ذلك مرات أنه غير مستطيع للصبر إذ لم يصبر فلم ينكر ذلك موسى عليه السلام فهذه شهادة ثلاثة أنبياء محمد وموسى والخضر A وأكبر من شهادتهم شهادة الله D