أمرنا D أن نقول إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين فنص تعالى على أمرنا بطلب العون منه وهذا نص قولنا والحمد لله رب العالمين فلو لم يكن ها هنا عون خاص من آتاه الله إياه اهتدى ومن حرمه إياه اهتدى ومن حرمه إياه وخذله ضل لما كان لهذا الدعاء معنى لأن الناس كلهم كانوا يكونون معانين منعما عليهم مهديين وهذا بخلاف النص المذكور وقال تعالى ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم فنص تعالى على أنه ختم على قلوب الكافرين وان على سمعهم وأبصارهم غشاوة حائلة بينهم وبين قول الحق فمن هو الجاعل هذه الغشاوة على سمعهم وعلى أبصارهم إلا الذي ختم على قلوبهم D وهذا هو الخذلان الذي ذكرنا ونعوذ بالله منه وهذا نص على أنهم لا يستطيعون الإيمان ما دام ذلك الختم على قلوبهم والغشاوة على أبصارهم وأسماعهم فلو أزالها تعالى لآمنوا ألا إن يعجزوا ربهم D عن إزالة ذلك فهذا خروج عن الإسلام وقال تعالى ولولا فضل الله عليكم ورحمته لأتبعتم الشيطان إلا قليلا فنص تعالى كما ترى على أنه من لم يتفضل عليه ولم يرحمه اتبع الشيطان ضرورة فصح أن التوفيق به يكون الإيمان وأن الخذلان به يكون الكفر والعصيان وهو اتباع الشيطان ومعنى قوله تعالى إلا قليلا على ظاهره وهو استثناء من المنعم عليهم المرحومين الذين لم يتبعوا الشيطان برحمة الله تعالى لهم آي لاتبعتم الشيطان إلا قليلا لم يرحمهم الله فاتبعوا الشيطان إذ رحمكم أنتم فلم تتبعوه وهذا نص قولنا ولله تعالى الحمد وقال تعالى فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا وهذا نص ما قلنا أن من أضله الله تعالى لا سبيل له إلى الهدى وأن الضلال وقع مع الإضلال من الله تعالى للكافر والفاسق وقال تعالى ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده فأخبر تعالى أن عنده هدى يهدي به من يشاء من عباده فيكون مهتديا وهذا تخصيص ظاهر كما ترى وقال تعالى فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء فهذا نص ما قلنا وأن الله تعالى قد نص قائلا لنا أن من أراد هذا شرح صدره للإسلام فآمن بلا شك وأن من أراد ضلاله ولم يرد هداه ضيق صدره وأحرجه حتى يكون كمريد الصعود إلى السماء فهذا لا يؤمن البتة ولا يستطيع وهو في ظاهره مستطيع بصحة جوارحه .
قال أبو محمد أن الضال لمن ضل بعد ما ذكرنا من النصوص التي لا تحتمل تأويلا ومن شهادة خمسة من الأنبياء إبراهيم وموسى ويوسف والخضر ومحمد عليهم السلام بأنهم لا يستطيعون فعلا لشيء من الخير إلا بتوفيق الله تعالى لهم وأنهم إن لم يوفقهم ضلوا جميعا مع ما أوردنا من البراهين الضرورية المعروفة بالحس وبديهة العقل .
قال أبو محمد ومن عرف تراكيب الأخلاق المحمودة والمذمومة علم أنه لا يستطيع أحد غير ما يفعل مما خلقه الله D فيه فتجد الحافظ لا يقدر على تأخر الحفظ والبليد لا يقدر على الحفظ والفهيم لا يقدر على الغباوة والغبي لا يستطيع ذكاء الفهم والحسود لا يقدر على ترك الحسد والنزيه النفس لا يقدر على الحسد والحريص لا يقدر على ترك الحرص والبخيل لا يقدر على البذل والجبان لا يقدر على الشجاعة والكذاب لا يقدر على ضبط نفسه عن الكذب