أمر معلوم بضرورة العقل وبديهته فإذ لا شك في ذلك فقد لاح الأمر وهو أن الهدى في اللغة العربية من الأسماء المشتركة وهي التي يقع الإسم منها على مسمين مختلفين بنوعهما فصاعدا فالهدى يكون بمعنى الدلالة تقول هديت فلانا الطريق بمعنى أربته إياه ووقفته عليه وأعلمته إياه سواء سلكه أو تركه وتقول فلان هاد بالطريق أي دليل فيه فهذا الهدى الذي هداه الله ثمود وجميع الجن والملائكة وجميع الإنس كافرهم ومؤمنهم لأنه تعالى دلهم على الطاعات والمعاصي وعرفهم ما يسخط مما يرضي فهذا معنى ويكون الهدى بمعنى التوفيق والعون على الخير والتيسير له وخلقه لقبول الخير في النفوس فهذا هو الذي أعطاه الله D الملائكة كلهم والمهتدين من الإنس والجن ومنعه الكفار من الطائفتين والفاسقين فيما فسقوا فيه ولو أعطاهم إياه تعالى لما كفروا ولا فسقوا وبالله تعالى التوفيق ومما يبين هذا قوله تعالى في الآيات المذكورة إنا هديناه السبيل فبين تعالى أن الذي هداهم له فهو الطريق فقط وكذلك أيضا قوله تعالى ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين فهذا نص قولنا والحمد لله رب العالمين وكذلك قوله تعالى ولو شئنا لأتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين وقوله تعالى ولو شاء الله لجمعهم على الهدى وهذا بلا شك غير ما هدى جميعهم عليه من الدلالة والتبيين للحق من الباطل .
قال أبو محمد وقوله تعالى إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا إلا طريق جهنم .
قال أبو محمد فهذا نص جلي على ما قلنا وبيان أن الدلالة لهم على طريق جهنم يحملون فيه إليها هدى لهم إلى تلك الطريق ونفى عنهم تعالى في الآخرة كل هدى إلى شيء من الطرق إلا طريق جهنم ونعوذ بالله من الضلال .
قال أبو محمد وقال بعض من يتعسف القول بلا علم أن قول الله D وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى وقوله تعالى إنا هديناه السبيل وقوله تعالى وهديناه النجدين إنما أراد تعالى بكل ذلك المؤمنين خاصة .
قال أبو محمد وهذا باطل لوجهين أحدهما تخصيص الآيات بلا برهان وما كان هكذا فهو باطل والثاني أن نص الآيات يمنع من التخصيص ولا بد وهو أن الله تعالى قال وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فرد تعالى الضمير فاستحبوا العمى على الهدى إلى المهديين أنفسهم فصح أن الذين هدوا لم يهتدوا وأيضا فإن الله تعالى قال لرسوله A ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وقال له تعالى وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم فصح يقينا أن الهدى الواجب على النبي A هو الدلالة وتعليم الدين وهو غير الهدى الذي ليس هو عليه وإنما هو لله تعالى وحده فإن ذكر ذاكر قول الله D ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون فليس هذا على ما أظنه من لا ينعم النظر من أن الله وحده لو أسمعهم لم يسمعوا بذلك بل ظاهر الآية مبطل لهذا الظن لأنه تعالى قال ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم فصح يقينا أن من علم الله تعالى فيه خيرا أسمعه وثبت أن فيه خيرا ثم قال تعالى ولو أسمعهم لتولوا