والتقوى وكونوا قوامين بالقسط فهذان الأمران متوجهان أحدهما إلى كل إنسان في ذاته ولا يسقط عنه وجوب القيام بالقسط انتظار غيره في ذلك وأما التعاون على البر والتقوى فمتوجه إلى كل اثنين فصعدا لأن التعاون فعل من فاعلين وليس فعل واحد ولا يسقط عن الاثنين فرض تعاونهما على البر والتقوى انتظار ثالث إذ لو كان ذلك لما لزم أحدا قيام بقسط ولا تعاون على بر وتقوى إذ لا سبيل إلى اجتماع أهل الأرض على ذلك أبدا لتباعد أقطارهم ولتخلف من تخلف عن ذلك لعذر أو على وجه المعصية ولو كان هذا لكان أمر الله تعالى بالقيام بالقسط وبالتعاون على البر والتقوى باطلا فارغا وهذا خروج عن الإسلام فسقط القول المذكور وبالله تعالى التوفيق وأما قول من قال أن عقد الإمامة لا يصح إلا بعقد أهل حضرة الإمام وأهل الموضع الذي فيه قرار الأئمة فإن أهل الشام كانوا قد دعوا ذلك لأنفسهم حتى حملهم ذلك على بيعة مروان وابنه عبد الملك واستحلوا بذلك دماء أهل الإسلام .
قال أبو محمد وهو قول فاسد لا حجة لأهله وكل قول في الدين عري عن ذلك من القرآن أو من سنة رسول الله A أو من إجماع الأمة المتيقن فهو باطل بيقين قال الله تعالى قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين فصح أن من لا برهان له على صحة قوله فليس صادقا فيه فسقط هذا القول أيضا وأما القول الجبائي فإنه تعلق فيه بفعل عمر Bه في الشورى إذ قلدها ستة رجال وأمرهم أن يختاروا واحدا منهم فصار الإختيار منهم بخمسة فقط .
قال أبو محمد وهذا ليس بشيء لوجوه أولها أن عمر لم يقل أن تقليد الإختيار أقل من خمسة لا يجوز بل قد جاء عنه أنه قال أن مال ثلاثة منهم إلى واحد وثلاثة إلى واحد فاتبعوا الثلاثة الذين فيهم عبد الرحمن ابن عوف فقد أجاز عقد ثلاثة ووجه ثان وهو أن فعل عمر Bه لا يلزم الأمة حتى يوافق نص قرآن أو سنة وعمر كسائر الصحابة Bهم لا يجوز أن يخصه بوجوب اتباعه دون غيره من الصحابة Bهم والثالث أن أولئك الخمسة Bهم قد تبرؤا من الإختيار وجعلوه إلى واحد منهم يختار لهم وللمسلمين من رآه أهلا للإمامة وهو عبد الرحمن بن عوف وما أنكر ذلك أحد من الصحابة الحاضرين ولا الغائبين إذ بلغهم ذلك فقد صح إجماعهم على أن الإمامة تنعقد بواحد فإن قال قائل إنما جاز ذلك لأن خمسة من فضلاء المسلمين قلدوه قيل له أن كان هذا عندك اعتراضا فالتزم مثله سواء بسواء ممن قال لك إنما صح عقد أولئك الخمسة لأن الإمام الميت قلدهم ذلك ولولا ذلك لم يجز عقدهم وبرهان ذلك أنه إنما عقد لهم الإختيار منهم لا من غيرهم لما لزم الإنقياد لهم فلا يجوز عقد خمسة أو أكثر إلا إذا قلدهم الإمام ذلك أو ممن قال لك إنما صح عقد أولئك الخمسة لإجماع فضلاء أهل ذلك العصر على الرضا بمن اختاروه ولو لم يجمعوا على الرضا به لما جاز عقدهم وهذا مما لا مخلص منه أصلا فبطل هذا القول بيقين لا إشكال فيه والحمد لله رب العالمين فإذ قد بطلت هذه الأقوال كلها قالوا أجب النظر في ذلك على ما أجبه الله تعالى في القرآن والسنة وإجماع المسلمين كما افترض علينا D إذ يقول وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله وباليوم الآخر فوجدنا عقد الإمامة يصح بوجوه أولها وأفضلها وأصحها أن يعهد الإمام الميت إلى إنسان يختاره أما بعد موته