يجوز أن تعجز عن مثل القرآن لأنه قد صح وثبت أن العجز لا يكون عجزا إلا عن موجود فلو كانوا على هذا الأصل عاجزين عن مثل القرآن وعصى موسى وإحياء الموتى وخلق الأجسام والأسماع والأبصار وكشف البلوى والعاهات لوجب أن يكون ذلك المثل موجودا فيهم ومنهم كما كانوا قادرين على ذلك لوجب أن يكون ذلك منهم ولما لم يكن ذلك كذلك ثبت أنه لا يجوز عجز العباد على الحقيقة عن مثل القرآن مع عدمه منهم وكونه غير موجود لهم ولا عن قلب عصى موسى حية ولا عن مثل ذلك .
قال أبو محمد أينتظر كفر بعد هذا الكفر في تصريحه أن العباد والعرب لا يجوز أن يعجزوا عن مثل القرآن ولا عن قلب العصا حية ولا يغتر ضعيف بقوله أنهم غير قادرين على ذلك فإنما على قوله المعروف من أن الله لا يقدر على غير ما فعل وظهر منه فقط ومن عظيم المحال قوله في هذا الفصل أنه لا يجوز أن يعجز العاجز إلا عما يقدر عليه مع أن هذا الكلام عنه موجب أنهم إن عجزوا عن مثل القرآن وقدروا عليه وما يمترى في أنه كان كائدا للإسلام ملحدا لا شك فيه فهذه الأقوال لا ينطلق بها لسان مسلم ومن أعظم البراهين على كفر الباقلاني وكيده للدين قوله في فصل آخر من الباب المذكور في الكتاب المذكور أنه لا يجب على من سمع القرآن من محمد بن عبد الله بن عبد المطلب A أن يبادر إلى القطع على أنه له آية أو أنه على يده ظهر ومن قبله نجم حتى يسأل أهل النواحي والأطراف ونقلة الأخبار ويتعرف حال المتكلمين بذلك اللسان في الآفاق فإذا علم بعد التثبت والنظر أنه لم يسبقه إلى ذلك أحد لزمه حينئذ اعتقاد نبوته .
قال أبو محمد وهذا إنسان خاف معاجلة الأمة له بالرجم كما يرجم الكلب إن صرح بأن نبوة محمد A باطل فصرح لهم بما يودي إلى ذلك من قرب إذا وجب بأن لا يقر أحد بنبوة محمد بن عبد الله بن عبد المطلب رسول الله A ولا بأن آتي بالقرآن ولا بأنه آية من آياته على صحة نبوته إلا حتى يسأل أهل النواحي والأطراف وينتظر الأخبار ويتعرف حال المتكلم بالعربية في الآفاق .
قال أبو محمد فاحال والله علي عمل لا نهاية له ولو عمر الإنسان عمر نوح E لأن سؤال أهل النواحي والأطراف لا ينقضي في ألف عام وانتظار الأخبار ليس له حد وليت شعري متى تصل المخدرة وطالب المعاش إلى طرف من هذا المحال لأن أهل النواحي هم من بين صدر الصين إلى آخر الأندلس إلى بلاد الزنج إلى بلاد الصقالية فما بين ذلك فلاح كفر هذا الجاهل الملحد وكيده للإسلام لكل من له أدنى حس مع ضعف كيده في ذلك قال تعالى إن كيد الشيطان كان ضعيفا ويكفي من كل هزر أتى به هذا الفصل الملعون قائلة ازمن له علم قوى بالعربية ولاخبار في كيفية تيقن عجز العرب عن معارضته فمن بعدهم إلى اليوم وأنه من عنده ضرورة لأنه لم ينزل القرآن جملة فيمكن فيه الدعوى من أحد وإنما نزل مقطعا في كل قصة تنزل فينزل فيها قرآن وهذه ضرورة موجبة أنه عنده E ظهر بوحي الله تعالى اليه وبما فيه من الغيوب التي قد ظهر إنذاره بها وأما من لا علم له باللغة والأحبار فكيفية إخبار من يقع له العلم بخبرة بأن العرب عجزت عن مثله وأنه آتي به مفصلا عند حلول القصص التي أنزل الله تعالى فيها الآية والآيتين والكلمة والكلمتين من القرآن والتوراة