الله على ما هو عليه من فصوله الذاتية وأنواعه وأجناسه فلا يتبدل شيء منه قطعا إلا حيث قام البرهان على تبدله وليس ذلك إلا على أحد وجهين إما استحالة معهودة جارية على رتبة واحدة وعلى ما بنى الله تعالى عليه العالم من استحالة المني حيوانا والنوى والبزور نباتا وسائر الإستحالات المعهودات وأما إستحالة ما لم تعهد قط ولا بنى الله تعالى العالم عليها ولذلك قد صح للأنبياء عليهم السلام شواهد لهم على صحة نبوتهم وجود ذلك بالمشاهدة ممن شهدهم ونقله إلى من لم يشاهدهم بالتواتر الموجب للعلم الضروري فوجب الإقرار بذلك وبقي ما عدا أمر الأنبياء عليهم السلام على الإمتناع فلا يجوز البتة وجود ذلك لا من ساحر ولا من صالح بوجه من الوجوه لأنه لم يقم برهان بوجود ذلك ولا صح به نقل وهو ممتنع في العقل كما قدمنا ولو كان ذلك ممكنا لاستوى الممتنع والممكن والواجب وبطلت الحقائق كلها ولكن كل ممتنع ومن لحق هاهنا لحق بالسوفسطائية على الحقيقة ونسأل من جوز ذلك للساحر والفاضل هل يجوز لكل أحد غير هذين أم لا يجوز إلا لهذين فقط فإن قال أن ذلك للساحر والفاضل فقط وهذا هو قولهم سألناهم عن الفرق بين هذين وبين سائر الناس ولا سبيل لهم إلى الفرق بين هؤلاء وبين غيرهم إلا بالدعوى التي لا يعجز عنها أحد وإن قالوا أن ذلك جائز أيضا لغير الساحر والفاضل لحقوا بالسوفسطائية حقا ولم يثبتوا حقيقة وجاز تصديق من يدعي أنه يصعد إلى السماء ويرى الملائكة وأنه يكلم الطير ويجتني من شجر الخروب التمر والعناب وأن رجالا حملوا وولدوا وسائر التخليط الذي من صار إليه وجب أن يعامل بما هو أهله إن أمكن أو أن يعرض عنه لجنونه وقلة حيائه قال أبو محمد لا فرق بين من ادعى شيئا مما ذكرنا لفاضل وبين دعوى الرافضة رد الشمس على علي بن أبي طالب مرتين حتى ادعى بعضهم أن حبيب بن أوس قال ... فردت علينا الشمس والليل راغم ... بشمس لهم من جانب الخدر تطلع ... نضا ضوءها صبغ الدجنة وانطوى ... لبهجتها فوق السماء المرجع ... فوالله ما أدري على بدا لنا ... فردت له أم كان في القوم يوشع ... .
وكذلك دعوى النصارى لرهبانهم وقدمائهم فإنهم يدعون لهم من قلب الأعيان أضعافا ما يدعيه هؤلاء وكذلك دعوى اليهودي لأحبارهم ورؤوس المثايب عندهم أن رجلا منهم رحل من بغداد إلى قرطبة في يوم واحد وأنه أثبت قرنين في رأس رجل مسلم من بني الإسكندراني كان يسكن بقرطبة عند باب اليهود وهذا كله باطل موضوع وبنو الإسكندراني كانوا أقواما أشرافا معروفين لم يعرف لأحد منه شيء من هذا والحماقة لا حد لها وهذا برهان لمن نصح .
نفسه قال أبو محمد وأما السحر فإنه ضروب منه ما هو من قبل الكواكب كالطابع المنقوش فيه صورة عقرب في وقت كون القمر في العقرب فينفع إمساكه من لدغة العقرب ومن هذا الباب كانت الطلسمات وليست إحالة طبيعية ولا قلب عين ولكنها قوى ركبها الله D مدافعة لقوى أخرى كدفع الحر للبرد ودفع البرد للحر وكقتل القمر للدابة الدبرة إذا لاقى الدبرة ضوءه إذا كانت دبرتها مكشوفة للقمر ولا يمكن دفع الطلسمات لأننا قد شاهدنا أنفسنا أثارها ظاهرة إلى الآن من قرى لا ندخلها جرادة ولا يقع فيها برد وكسرى قسطة التي لا يدخلها جيش إلا أن يدخل كرها وغير ذلك كثير جدا لا ينكره إلا معاند وهي أعمال قد ذهب من كان يحسنها جملة وانقطع من العالم ولم يبق إلا آثار صناعاتهم فقط ومن هذا الباب كان ما تذكره الأوائل في كتبهم في المويسيقا و أنه كان يؤلف بين الطبائع وينافر به أيضا بينها ونوع آخر